أعلنت (جماعة الإخوان) المصرية، تراجعهم عن دعم خلية حزب الله. منطلقهم أن أمن مصر - كما يقولون- خطوط حمراء لا يقبلون المساس به. الإخوان أروغ من الزئبق؛ والوسيلة لديهم مهما كانت منحطة، حتى وإن (نسفت) مقتضيات العقيدة، تبررها - كما يقولون - سلامة الغاية السياسية؛ فالسياسة عند الإخوان أهم من العقيدة.
وفي رأيي أن تبرير حسن نصر الله الذي يقول فيه: (إن هذه الخلية كانت لدعم حماس)، ليست (خلطا للأوراق) كما يتصور البعض، وإنما كان نصر الله يشير بمنتهى الوضوح إلى حماس، الفصيل الإخواني، والتي يدعمها الحزب الإيراني في لبنان، تنفذ أجندة إيرانية في فلسطين، مثلما ينفذ حزب الله الأجندة ذاتها في لبنان، فهو من خلال هذه الخلية يؤدي عملا حركيا يصب في المصلحة الإيرانية، التي ما أنشئ حزب الله إلا لتنفيذها.
وليس لدي أدنى شك أن (تراجع) الإخوان تراجع تكتيكي، اقتضته المصلحة، لذر الرماد في العيون، وليس تراجعا إستراتيجيا، لأنهم على قناعة تامة أن أي ضعف لأي نظام عربي هو في المحصلة انتصار لهم، وطالما أن إيران تهز استقرار هذه الأنظمة، فهم سيكونوا حلفاء لها؛ إلا أن بعض التغيرات (الطارئة) تحتاج إلى تراجعات تكتيكية ريثما تتاح فرصة أخرى، ليصعدوا من جديد. فأي مراقب سيلحظ أن (شجبهم) للخلية التي قبض عليها في مصر كان (متحفظا)، اكتفى بشجب العمل، وتوقف عند هذا الحد، ولم يمتد (الشجب) إلى الإيرانيين، الذين هم (منفردين) من يصنع قرارات حزب الله، وهم الممول الرئيس لكل عملياته. أن تكتفي بالاحتجاج على (سم الأفعى)، وتتحاشى عامدا أن تشير إلى (الأفعى الإيرانية)، يؤكد أن حركة (حسن البنا) هذه هي بمثابة (الطابور الخامس)، الجاهز للتعامل مع كل من أراد بوطنه سوء. وارتباطات جماعة الإخوان بالقوى الخارجية ليس جديدا؛ فقد أكدها عمدة لندن (كين لفنجستون)، في معرض دفاعه عن الشيخ يوسف القرضاوي، عندما طالبت بعض الفعاليات اليهودية البريطانية منعه من الدخول؛ فرد لفنسجتون: إن جماعة الإخوان المسلمين في مصر كانوا يتلقون دعما (ماليا) من المخابرات البريطانية، لأنها آنذاك مثلت تهديدا وخطرا حقيقيين لنظام الرئيس جمال عبدالناصر في حقبتي الخمسينات والستينات.
وهنا لابد من التذكير بمقولة محمد مهدي عاكف مرشد (الإخوان المصريين) بعد أن نشرت روز اليوسف حوارا معه وردت فيه عبارات قال فيها (طز في مصر.. وأبو مصر.. واللي في مصر)، واتهم الإخوان روز اليوسف بأن (كلامها مفبرك)؛ ولكنها ردت بإعلان التحدي ضد الجماعة، وأن لديها نص الحوار مسجلا بصوت عاكف، ودعت روز اليوسف الجماعة للذهاب إلى القضاء إذا كانوا متأكدين من موقفهم، في وقت قام فيه رئيس تحرير الصحيفة، الكاتب الصحافي عبدالله كمال، بإذاعة مقاطع من الحوار بصوت عاكف في برنامج (البيت بيتك) الذي يبثه التلفزيون المصري، (كما جاء في الشرق الأوسط اللندنية). وها هم الآن يثبتون أن (طز) الشهيرة التي وجهها مرشد (الإخوان) إلى بلده وأهل بلده، هي (ممارسة) تكتنف سياسات الجماعة وتوجهاتها، وليست مجرد زلة لسان، ودعك من التراجع التكتيكي.
إلى اللقاء.