من الأمور الكثيرة التي تحتسب لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، هذه النظرة الثاقبة والثقة الملكية في تعيين سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، لقد جاء هذا القرار المناسب في الرجل المناسب، في وقت كان الوطن أحوج ما يكون إليه، ولا أدل على ذلك من البشر والاستبشار، والفرح الغامر الذي عم أرجاء الوطن، وبحكم عملي تحت إدارة سمو الأمير نايف فترة ليست بالقصيرة أحببت أن يكون لي مشاركة مع أبناء هذا الوطن أكون فيها شاهداً وراوياً لمراحل متعددة عن سموه الكريم، لأن الحديث عن سموه ذو شجون، ولن أستطيع الإحاطة والشمول في الحديث عن رجل بقامة الأمير نايف، لأن استدعاء التاريخ، واستشراف المستقبل، والاعتزاز بالمعتقد، وقراءة الصدق، ومعرفة السياسة وتعرف الدهاء، وإدراك الحكمة، وفهم الحنكة، وسماع الأقوال، ومشاهدة الأفعال في مسيرة الأمير نايف تعز على الكتاب، وتثقل كاهل الرواة.
إن من أبرز صفات سمو الأمير نايف الثقة بالله ثم بنفسه، فهو قوي أمين رزقه الله رزانة العقل، والتواضع الجم، والصبر والحلم، والصرامة والحزم، وكرم الأخلاق، وسخاء اليد، وهدوء النفس، وعفة اللسان، مع تميزه بإنسانية راقية صنعت له مكانة رفيعة ومقاماً سامياً في قلب كل مواطن.
ولسموه شخصية محبوبة مقترنة بالهيبة والوقار، واحترام الذات والآخرين، فهو قليل الكلام، حسن الإنصات للآخرين يصغي إلى متحدثيه بتركيز واهتمام، لا يتحدث إلا إذا تطلب المقام، كما أنه يكره الغيبة، والكلام عن الغير إلا بما فيه الخير والمصلحة، يُدرك ذلك كل من عرفه خلال لقاء معه أو سمع عنه.
وعرفت عن سموه حرصه الدائم على إقامة العلاقات الطيبة مع الجميع، ومواساة المكلوم، ومساعدة المحتاج والضعيف، والوقوف مع المنكوب، فديدن سموه نصرة المظلوم وردع الظالم.
ومن الأشياء التي عُرفت عن سمو الأمير نايف أنه رجل علم وثقافة، يحب العلم ويقدر العلماء، وشاهد ذلك سعيه الدائب إلى نصرة الدين والسنة في مبادرته المباركة لإنشاء مسابقة تعنى بالسنة النبوية سُخرت لها كل الإمكانات المادية والبشرية، تتصف بالعلمية والمنهجية المؤصلة، وأذكر هنا أنه في أحد اجتماعاتنا مع سموه افتتح الاجتماع بتلاوة قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (سورة الأحزاب 72)، وبعد أن أتم القارئ تلاوة الآية تحدث سموه حديثاً مطولاً ومفصلاً عن الأمانة وفائدتها وأهميتها في نجاح العمل في الدنيا والآخرة.
لقد عرفت سمو الأمير مخلصاً لدينه، محباً لوطنه، حريصاً على أمنه وأمانه، محباً لعمله فقد رزقه الله تعالى محبة من حوله فأخلصوا له، وإذا رزق الإنسان محبة الناس فهي شهادة محبة الله تعالى له، وعرفته مثالاً للمسؤول المخلص في تصرفاته، يحث على الإخلاص، والتواصي بالحق، ومراقبة الله في العمل، والتعامل مع المراجعين بمبدأ واحد دون تفريق أو تمييز، وكان يرى أن الخير كل الخير أن تعرف كيف تخدم الناس، والشر أن تجهل كيف تحقق رغبتهم، وأذكر هنا موقفاً حصل لأحد الأطباء العرب المقيمين في المملكة عندما كانت له حاجة تهمه فسأل عن كيفية قضائها فأُرشد إلى الاتصال الهاتفي بوزارة الداخلية، يقول الطبيب: فاتصلت وطلبت سمو الوزير فطلب الموظف المختص بياناتي ورقمي، فلم ألبث إلا مدة قصيرة حتى اتصلوا عليّ وحادثت سموه وشرحت رغبتي، فطلب مني تقديم أوراقي إلى الوزارة وحقق رغبتي، ويقول الطبيب: لقد انبهرت من تواضع سموه، وقربه من الناس، ومن قضاء حاجتي بهذه السرعة.
وسموه حريص في اتخاذ قراراته وتطبيق الأنظمة والتعليمات فلا يرضى أن تخالف قراراته النصوص الشرعية، أو الأنظمة ولشدة حرصه على ذلك فإنه لا يتعجل في اتخاذ القرار بل يحيل الموضوع إلى أهل الاختصاص لدراسته وإبداء رأيهم فيه ثم يتخذ ما يراه مناسباً وملائماً في توجيه موجز مفيد وشامل للموضوع، ولا عجب أن تجد سمو الأمير يتقدم المسؤولين في ذلك، فوزارة الداخلية لم تكن جهازاً أمنياً فقط، بل أصبحت جهازاً خدمياً يفتح أبوابه لكل المواطنين.
ويتميز أسلوب سموه في العمل بسرعة الإنجاز، وحسن التوجيه، والأخذ بأسلوب التخطيط، وخصوصاً الخطط ذات البعد الوطني الشامل التي تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية الاجتماعية للوطن، لأن مصلحة المواطن في اهتماماته الأولى.
ومن جميع صفاته أنه لا يرضى أن يكون سبباً في جرح مشاعر الناس أو أذيتهم أو إهانتهم، كما أنه غير انفعالي ولا سريع الغضب، لكنه في الجانب الآخر قوي في الحق، يستقي ذلك من تعاليم ديننا الإسلامي وتوجيهات القيادة الرشيدة، وقد أعطاه الله خصلتين يحبهما الله هما الحلم والأناة، (وقد جاء في صحيح السنة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لأشج عبدالقيس - رضي الله عنه - إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة. فقال: يا رسول الله! أهما خصلتان أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما؟ فقال: بل الله جبلك عليهما. فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله). ولا شك أن سموه جُبل على هاتين الخصلتين العظيمتين، فليست لديه روح الانتقام حتى مع المسيئين، فالعفو من شيم الكبار، كما أنه عادل في توجيهاته، لا يأخذ أحداً بجريرة غيره، ولذلك لما قابل ذوي أحد خاطفي الطائرة السعودية المتجهة إلى لندن قال لوالده: (نريد منكم أن تعوضونا عن ولدكم خاطف الطائرة بولد آخر يعمل في وزارة الداخلية) والجميع شاهد ذلك في وسائل الإعلام، كما أن سمو الأمير وقف كثيراً معنوياً ومادياً مع أسر الموقوفين والقتلى من الفئة الضالة، أو مع الموقوفين أنفسهم وتسهيل أمورهم الاجتماعية ومساعدتهم.
وعرفت عن سمو الأمير نايف الشجاعة في قول كلمة الحق، وإعطاء التوجيه الذي يرضي الله، فهو لا يقبل أن يجامل مخلوقاً فيما يغضب الله، ولا يقبل بالظلم أبداً، فهو يسعى خلف الحقيقة، ويُحارب الظلم والفساد، ولذا فإن القريب من سمو الأمير يُدرك أنه قليل الكلام كثير الفعال، لديه جلد على مواصلة العمل لساعات طويلة، وقد شاهدت ذلك في رحلات سموه خارج البلاد، فهو لا يمل من مقابلة المسؤولين والوفود والصحفيين ويعطيهم حقهم من التقدير والاحترام، أضيف إلى ذلك أن سموه من أولئك الذين لا يحبذون الحديث عن ذاتهم الشخصية، أو استعراض إنجازاتهم، بل يميل دوماً إلى العمل بهدوء دون ضجيج، فأفعاله وإدارته جعلت منه شخصية لها وزنها، وسيرته الذاتية تشهد بإنجازاته منذ أن تولى العمل الوظيفي، بل إن الأمير نايف بن عبدالعزيز لم يتغير قبل الوظيفة أو بعدها إلى أن عُين نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء.
وفي السياسة فالأمير نايف قائد محنك، وسياسي لامع، ورجل أمن يعي منظومة الأمن وغاياته، تتصف منهجيته ببعد النظر، وحسن التخطيط، وقوة القرار، وسداد الرأي، والصمود في المواقف الحازمة والمزاعم التي تحول النيل من الوطن والمواطن، ولا عجب فهو رجل دولة يمتلك خبرة واسعة في شؤون الحكم والإدارة، قادر على تجاوز التحديات بكل أشكالها وألوانها، والكل يشهد لمساعيه العظيمة في كبح آفة الإرهاب، كما أن لسموه جهوداً كبيرة في تأسيس مسيرة الأمن العربي المشترك ودعم أعمالها، ودوره العربي والدولي في مكافحة الإرهاب والجريمة، وتأسيس لجنة المناصحة، ومركز التأهيل ورعاية الموقوفين وأسرهم الذي أصبح مضرب مثل عالمي.
وما هذا القرار من خادم الحرمين الشريفين بتعيين سموه نائباً ثانياً إلا مثال عظيم للثقة الكبيرة التي يراها المليك في سموه الكريم، فهو أهل لما اختير له، سائلاً الله أن يوفقه لخدمة الدين والمليك ولما فيه خير البلاد والعباد.
هذا ما أردت إيضاحه عن شخصية كبيرة تعد رمزاً عظيماً من رموز هذا الوطن الغالي، عمل وما زال يعمل بصمت وتفانٍ وإخلاص مع ما يتحلى به من جود وكرم وبذل وسخاء، والحقيقة اني مهما كتبت وتحدثت أو كتب غيري وتحدث عن هذا الرجل الإنسان فلن يُوفى حقه.
وفي الختام أشير إلى أن هذا النهج المبارك الذي اختطه سمو الأمير نايف لنفسه في حياته العامة والخاصة هو نهج قيادة هذه البلاد المباركة منذ توحيدها على يد المؤسس الباني الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، حفظ الله لبلادنا أمنها وقادتها، إنه جواد كريم، والله الموفق.
(*) المستشار الشرعي لسمو وزير الداخلية