في السادس من يناير 2009 كتبت تحت عنوان: (مصانع وطنية مهددة بالإفلاس) ما نصه: (القطاع الصناعي هو أحد القطاعات المتأثرة بالأزمة العالمية، وربما تعرضت بعض مؤسساته الخاصة إلى مشكلات مالية حادة، فعندما تتهاوى الأسعار، وتنخفض المبيعات يصبح الأمر حرجاً على الصناعات الوطنية وإذا ما أضفنا لها خدمة الديون والالتزامات المالية الأخرى يصبح الوضع مأساوياً وأشد قسوة)....
أعتقد أن حال بعض المصانع الوطنية وصل حداً لا يمكن القبول به، أو التعايش معه، بل هو في حاجة ماسَّة إلى تدخل الجهات الرسمية لوقف الموت البطيء، ومعالجة الموقف، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
هؤلاء هم في أمسّ الحاجة إلى دعم الدولة، وتفهم حاجاتهم الملحة، وربما تقديم قروض خاصة صفرية لخفض تكلفة التمويل التي يبدو أنها ستأكل الأخضر واليابس قبل أن تتمكن من بيع منتجاتها في السوق.. لا بد من إنشاء غرفة عمليات مشتركة على مستوى وزاري وعضوية مندوبين عن البنوك السعودية، والغرف التجارية وجمعية الاقتصاديين السعوديين لدراسة وضع الشركات السعودية والاقتصاد وتحديد مستوى انكشافهم على الأزمة ووضع خطة إنقاذ وطنية لعلاج المتضررين من الأزمة الاقتصادية العالمية.
أجد نفسي مضطراً للعودة إلى ما كتبت عن إمكانية تعرض بعض المصانع الوطنية للإفلاس، بعد أن نشرت جريدة (الرياض) خبراً تحت عنوان: (5 بنوك محلية تبحث مجتمعة خطة لإنقاذ أكبر مصنع للحديد في المملكة) مشيرة إلى (سريان توقعات بإشهار إفلاسه).
في تفاصيل الخبر يشير الزميل (عبد العزيز القراري) إلى تقديم خمسة بنوك سعودية خطة إنقاذ لأحد أكبر مصانع الحديد في السعودية بعد أن عجز عن الإيفاء بإلتزامات مالية قُدرت بثلاثة مليارات ريال.
كنت أتمنى أن تأتي خطة الإنقاذ من الحكومة، لا من المصارف المُقرضة التي سارعت إلى وضع اليد على أصول تقدر قيمتها، كما أشار الخبر، بأربعة مليارات ريال.
أشرت في المقالة السابقة إلى الخطأ الكبير الذي ارتكبته مصانع الحديد في رفعها الأسعار بطريقة جنونية فرضت على الحكومة التدخل لمنع تصدير الحديد السعودي، وفتح أبواب الاستيراد أمام المنتجات الأجنبية.
لم تُقدم الجهات الرسمية على إعادة تنظيم تصدير واستيراد الحديد إلا بعد أن بلغ تحدي المصانع السعودية مرحلة لا يمكن التعايش معها، فجاءت القرارات مؤلمة لها، ومفرحة للسوق والمستهلكين!.
لست مع تحميل وزارة التجارة، أو أي جهة رسمية أخرى مسؤولية انهيار المصنع، أو أي مصنع آخر تأثر بقرارات منع التصدير، على أساس أن الدولة تسعى جاهده للموازنة بين المصالح الخاصة والعامة، وتسعى دائماً إلى حفظ حقوق المستهلكين وسنّ الأنظمة الكفيلة بحمايتهم من مغالاة التجار، والقطاع الصناعي بشكل عام.
هناك أخطاء فادحة ارتكبتها بعض المصانع السعودية فيما يتعلق بسياسة التسعير، إدارة المخزون، التوسع غير المدروس، الاعتماد الكلي على القروض البنكية، ما جعلها مسؤولة مسؤولية تامة عما تتعرض له في الوقت الحالي، إلا أن هذه المسؤولية لا يمكن أن تحرمها مساعدة الحكومة في معالجة وضعها المتأزم، ووضع البنوك السعودية التي قد تتأثر مراكزها المالية في حالة تعثر المصنع عن سداد ثلاثة مليارات ريال!.
لا يمكن أن تُنتَقَد أي جهة حكومية أقدمت على سنّ قوانين لحماية مواطنيها، فقد أقدمت من قبل على سنّ قوانين حماية خاصة بالمصانع الوطنية، وقدمت لها القروض الميسرة لدعم بقائها، وتطوير إنتاجها، لتصبح رافداً من روافد التنمية الاقتصادية.
يمكن القبول بتوجيه اللوم إلى بعض الجهات الحكومية، وعلى رأسها وزارة التجارة، الغرف التجارية، وبعض الوزارات الأخرى بسبب تأخرها في وضع خطة إنقاذ شاملة للمصانع المتأثرة بتداعيات الأزمة العالمية.
كان من الممكن معالجة وضعية مصنع الحديد بسهولة طالما أن (منع التصدير) كان السبب الرئيس لتعثره.
لم يكن الأمر يستدعي أكثر من استخراج رخصة تصدير خاصة للمصنع وتوجيه إنتاجه للخارج طالما أن ذلك لا يؤثر على السوق المحلية المشبعة بالحديد.. ولا يؤثر على حجم المعروض على أساس أن شركات الحديد الأخرى أوقفت بعض خطوط إنتاجها لأسباب تسويقية.
سبق السيف العذل، وأصبحنا أمام أزمة حقيقية تحتاج إلى تدخل الحكومة العاجل.
(إفلاس مصنع الحديد) أمر لا يمكن قبوله في السوق السعودية الداعمة لاقتصادات العالم، كما أن وضع البنوك السعودية يدها على المصنع أمر لا يمكن التعايش معه طالما أن ما تعرض له المصنع كان بسبب تداعيات الأزمة العالمية.. بعض مصانعنا الوطنية في حاجة إلى خطط إنقاذ حكومية، وهي ليست أقل شأناً من المصانع العالمية التي هبت حكوماتها لإنقاذها من الإفلاس.
(مصنع الحديد) يبقى في ذمة الجهات الرسمية ذات العلاقة، وهي المسؤولة عن وضع خطة إنقاذ خاصة تقوده إلى الخروج من هذه الأزمة الخانقة.
القروض الصفرية، السماح بالتصدير المؤقت لبيع المخزون، توقيع عقود طويلة الأجل لشراء منتجات المصنع للاستفادة منها في مشروعات الدولة، والشراء بأسعار تشجيعية خصوصاً حتى الانتهاء من مخزون (المواد الأولية) باهظ الثمن، خيارات يمكن للحكومة تطبيقها لتحقيق المصلحة العامة.
لا أجد حرجاً في شراء أي من صناديق الدولة حصة في المصنع مقابل خطة الإنقاذ الحكومية، فتتحقق بذلك المنفعة الخاصة والعامة، ويبقى.. (مصنع الحديد) الوطني بعيداً عن شبح الإفلاس.
****
f.albuainain@hotmail.com