بينما يلتقي ممثلو حماس وفتح في إطار الجولة الرابعة من محادثات الوحدة الوطنية في القاهرة، فلن يكون الفلسطينيون وحدهم الذين يراقبون عن كثب، بل وسيكون الأميركيون والأوروبيون معهم في ذلك. إن هذه المحادثات عالية المستوى، والتي يستضيفها رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان، سوف تُشكِّل أهمية حاسمة لإنهاء المواجهة الدموية التي دامت لمدة تقرب من العامين بين غزة التي تحكمها حماس والضفة الغربية التي تحكمها فتح تحت رئاسة محمود عباس الذي يدعمه الغرب.. ونظراً للإخفاقات السابقة فإن هذه الجولة من المحادثات قد تكون الفرصة الأخيرة لإعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية.
إن الانقسام الداخلي المستمر بين حماس الإسلامية وفتح الأكثر اعتدالاً وميلاً إلى العلمانية لم يسفر عن هذه الحالة التي تعيشها الزعامة الفلسطينية من الفوضى فحسب، بل لقد تسبب أيضاً في جعل أي مفاوضات سلام جادة مع إسرائيل أمراً شبه مستحيل.. فضلاً عن ذلك فإن الانقسام الداخلي المستمر يعمل على إحباط جهود إعادة البناء في غزة، التي أصبحت مطلوبة بشِدة في أعقاب الاعتداء العسكري الإسرائيلي على غزة في وقت سابق من هذا العام.. وعلى هذا فإن نتيجة المفاوضات الجارية في القاهرة سوف تؤثر على الفلسطينيين والإسرائيليين - بل وكل الأطراف المعنية بعملية السلام في الشرق الأوسط.
في الجولات السابقة من المحادثات وافقت الفصائل المختلفة من حيث المبدأ على تشكيل حكومة وحدة وطنية للضفة الغربية وقطاع غزة، وعقد انتخابات تشريعية ورئاسية في المناطق الفلسطينية بحلول يناير - كانون الثاني 2010م.. ولكن الخلاف ما زال قائماً بين فتح وحماس بشأن كيفية تشكيل حكومة مكلفة بالإعداد للانتخابات.
وتركز المناقشات أيضاً على السيطرة على أجهزة الأمن - وهو المجال الذي لا يتمتع فيه أي من الطرفين بحيز كبير من المناورة.. فضلاً عن ذلك فقد ساد الخلاف حول نوع النظام الانتخابي الذي سيتم العمل به.. ففي حين تؤيد فتح نظام تصويت الأغلبية الواضحة، تدعو حماس إلى نظام أكثر تشخيصاً.. فضلاً عن ذلك فإن مسألة دمج حماس في منظمة التحرير الفلسطينية تشكل أهمية حاسمة.. فخلافاً للتصور الشائع، كانت منظمة التحرير الفلسطينية على الدوام هي الشريك التفاوضي الرسمي الوحيد مع إسرائيل، وهي لا تشتمل على حماس.. وفي جولات التفاوض السابقة رفضت حماس على نحو لا يخلو من الغموض (إلزام) نفسها بالاتفاقيات التي عقدتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل في الماضي، إلا أنها عرضت بدلاً من ذلك (احترام) هذه الاتفاقيات.. وهذا يعني أن المفاوضين في القاهرة لا بد أن يناقشوا ما إذا كان هذا الاعتراف غير المباشر بحق إسرائيل في الوجود سوف يكون مقبولاً.
في ظل هذه المساومة السياسية القائمة بوضوح على المقايضة، فإن ممثلي فتح وحماس مكلفون بإيجاد السبل اللازمة للتوفيق بين إيديولوجية حماس السياسية التي تتمتع بشعبية هائلة وبين التطلعات العلمانية التقليدية لمنظمة فتح.. وهذا في الحقيقة لا يشكل شأناً فلسطينياً داخلياً خالصاً، ذلك أنه يعكس صراعاً محتدماً في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
حتى الآن لم ينجح أي مجتمع عربي في التوفيق بين هذين الاتجاهين المتعارضين.. وكبديل، تبنت أغلب الحكومات العربية نهجاً أقل ميلاً إلى المواجهة في القمع والإقصاء، فحظرت على الإسلاميين المشاركة في الانتخابات أو دفعتهم بسلوكها المتنمر إلى العمل في إطار شبه قانوني.. ولكن الحالة في الأراضي الفلسطينية مختلفة.
ففي غياب سلطة مركزية قوية، أدى الانقسام السائد بين القومية العلمانية وتسييس الدين إلى التفكك الجغرافي الفعلي للأراضي الفلسطينية إلى قسمين منفصلين.. ونظراً للصعوبات التي يواجهها حتى اللاعبين الرئيسين في المنطقة في التعامل مع التحدي الذي يشكله الإسلام السياسي، بات من الواضح أن السبيل الوحيد المتاح أمام السلطة الفلسطينية تحت قيادة محمود عباس لرأب الصدع يتلخص في التسوية والحوار.
ليس من المستغرب إذن أن يكون مصير محادثات القاهرة غير مؤكد على الإطلاق.. لا شك أن الفشل في التوصل إلى موقف فلسطيني موحد سوف يصب في مصلحة الحكومة الإسرائيلية المنتخبة حديثاً تحت قيادة بنيامين نتنياهو، الذي أعلن بوضوح أنه يفضل إدارة الصراع المستمر من خلال (السلام الاقتصادي) على العملية السياسية المجهدة بعيدة المدى والقائمة على الاحترام المتبادل والتعاون.
وفي مواجهة الانقسام الداخلي المستمر فسوف يكون من الصعب للغاية أن يطالب الفلسطينيون بعملية سلام جادة.. ونتيجة لذلك فإن التوسع الإسرائيلي في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، شاء الجميع أم أبوا، قد يؤدي في النهاية إلى دفن جهود السلام الشامل إلى الأبد.
بيد أن النجاح في القاهرة قد يكون أكثر صعوبة.. فإذا ما أدت المفاوضات إلى تأسيس حكومة فلسطينية مدعومة من كل من فتح وحماس، فسوف ينشأ خيار عصيب - ليس بالنسبة للفلسطينيين في الأساس، بل بالنسبة لصناع القرار السياسي في الغرب في المقام الأول.. فهل يستمر الغرب في سياسة مقاطعة حماس سياسياً ومالياً، أم هل يتبنى توجهاً بديلاً؟
إن أي تغير في توجهات الغرب في التعامل مع حماس في أعقاب نجاح الحوار الفلسطيني في القاهرة سوف يكون صعباً، وذلك نظراً للإيديولوجية المولعة بالقتال التي تتبناها حماس.. ولكن اتخاذ موقف معدل وأكثر عملية في التركيز على سلوك حماس على أرض الواقع، بدلاً من فرض الشروط المجردة، لن يُشكِّل تحدياً لصناع القرار الغربيين فحسب؛ بل ومن شأنه أيضاً أن يفرض تحدياً سياسياً كبيراً على حماس.
***
مايكل بروننج مدير مكتب مؤسسة فريدريش إيبرت في القدس الشرقية، وهي مؤسسة سياسية تابعة للحزب الديمقراطي الاجتماعي في ألمانيا.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009م.
www.project-syndicate.org
خاص بالجزيرة