Al Jazirah NewsPaper Tuesday  21/04/2009 G Issue 13354
الثلاثاء 25 ربيع الثاني 1430   العدد  13354
أساتذة الجامعات: كيف تستثمر طاقاتهم لتطوير الجامعات وتنمية الوطن..؟ (2 - 3)
د. زايد بن عجير الحارثي

 

في الجزء السابق من الحديث عن أساتذة الجامعات والقدرات والمواهب والإمكانات التي يمتلكونها والمتاحة لهم بحكم طبيعة مهنتهم التي ينتمون إليها والتي تتطلب مهارات ومواهب ومؤهلات وخبرات عليا لا تتوفر لكثير من أصحاب المهن الأخرى،

ركزت على أهمية الاستثمار في تلك المواهب والطاقات ومجالاته بناء وتطوير الجامعات سواء كان ذلك من خلال الوظيفة الرئيسية في بناء العقول وبناء الشخصيات أو في بناء البنى التحتية للجامعات مثل المشاريع الجامعية أو في المساهمة في تطوير وتنمية وخدمة المجتمع من حيث تقديم الاستشارات للقطاعات الحكومية أو الخاصة أو المساهمة في وضع الخطط التنموية في كافة القطاعات أو المشاركة في تنفيذ الخطط، وكذلك في اتخاذ القرارات مما سيسهم في تقدم وتطور المجتمع بكافة شرائحه وعلى كافة مستوياته أن تلك الإمكانات والطاقات الكامنة للشريحة العظمى من أساتذة الجامعات ستظل كامنة ومهدرة وغير مؤهلة بالشكل المناسب ما لم يتم تحسين الشروط والظروف التي تجعل من هذه الطاقات مناسبة وفاعلة للاستثمار.

وإن من مقتضيات هذا المقال التذكير بالسؤال المطروح في نهاية المقال السابق وهو هل أساتذة الجامعات مؤهلون للاستثمار باعتبارهم مصدراً حيوياً لهذه الطاقة؟.. وإذا لم يكن فما هي العقبات التي تحول دون ذلك وما المقترحات لتحسين ذلك؟.

ولعله من المنطقي التصريح بأن ما شوهد ويشاهد ويلاحظ من إنجازات وإبداعات على كافة الأصعدة الطبية والهندسية والعلمية والتربوية والاجتماعية على المستوى المحلي وكذلك على المستوى العالمي في هذه البلاد من علماء وأساتذة جامعيين سعوديين هي أدلة ملموسة على إمكانية الاستثمارات الحقيقية للقدرات العقلية البشرية في تطوير الجامعات وتنمية المجتمع.

ولو أخذنا عدة أمثلة واقعية لمثل هذه الحالات لقربنا إلى أذهان القراء الكرام أهمية مثل هذه الاستثمارات التي خرجت وتخرج من رحم الجامعات، وعلى سبيل المثال الأستاذ الدكتور عبدالله الربيعة، الذي أصبح الآن وزيراً للصحة وهو (رائد فصل التوائم) ليس على مستوى المملكة وحسب ولكن على مستوى العالم وكذلك الأستاذة الدكتورة خولة الكريع كبيرة علماء أبحاث السرطان بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض والدكتورة سلوى الهزاع أستاذة أمراض القرنية والأستاذة الدكتورة ريم الطويرقي أستاذة الفيزياء بجامعة الملك عبدالعزيز والتي تم تكريمها عالمياً في أبحاثها، والدكتور يوسف الصغير أستاذ الهندسة الكيميائية في جامعة الملك سعود بالرياض والحاصل على ثلاث براءات اختراع من الولايات المتحدة والدكتور جابر القحطاني أستاذ علم العقاقير بجامعة الملك سعود الذي حصل على براءة اختراع من أمريكا يسمى (سعودين مركب منخفض لسكر الدم) والدكتور محمد بن عبدالله الصالح الأستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والحاصل على براءة اختراع من الولايات المتحدة الأمريكية في الهندسة الكيميائية والدكتور أحمد بن ظافر القرني من جامعة الملك فهد للبترول الحاصل على براءة اختراع من الولايات المتحدة الأمريكية في هندسة الطيران والفضاء، وهؤلاء جميعاً وغيرهم ممن حصلوا على أوسمة من لدن خادم الحرمين الشريفين وهو وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى وغير هؤلاء الأساتذة المميزين والبارعين في المجالات العلمية المختلفة دليل وبرهان ساطع على إمكانية الاستثمار والافتخار بالطاقات البشرية الوطنية العلمية.

ولا يقتصر الحال على الإبداعات في المجالات العلمية بل إن المجالات الأدبية وغيرها تزخر بالبارعين والعلماء الذين برع وتميز العديد منهم وآخرهم هو الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المانع من جامعة الملك سعود الذي حصل على جائزة الملك فيصل العالمية العام الحالي في الأدب.

إن تلكم الأسماء السابق ذكرها ما هي إلا أمثلة من إبداعات وإنجازات حققها أساتذة جامعيون وعلماء سعوديون من بعض الجامعات السعودية، وفي هذا إجابة على جزء من السؤال المطروح سابقاً. وهنا أؤكد على أنه لو لم يكن هناك بيئة خصبة ومناسبة ومحفزة وراعية ومؤهلة لمثل هذه المواهب والقدرات والطاقات لما خرجت وتلألأت وأضاءت سماء الوطن والعالم.. على أن الإجابة على السؤال السابق إنما هي استنتاجات ورؤية شخصية لا ترتبط بنتائج دراسة أو دراسات علمية ميدانية يمكن التعميم منها ولكن السؤال المرتبط بها هو: هل هذه النواتج والمخرجات هي حصيلة خطط دؤوبة مستمرة أم هي أمثلة لحالات فردية استثنائية؟.

إنه بخبرة الكاتب وطبيعة تفاعله والتصاقه بالمناخ الجامعي يمكن القول إن المناخ الجامعي الذي برز ويبرز منه ذلكم النخبة من المبدعين المخترعين هو حصيلة دعم ورعاية وخطط ولكنها في رأيي تحتاج لتعميمها لتوفير المناخ المشابه لذلك الموجود في الجامعات المميزة ليشمل جميع الجامعات حتى نشهد نقلة نوعية وكمية تؤرخ لفورة من الإنتاج المعرفي على كافة المستويات وفي كافة المجالات، وقد يكون الجامعات نفسها أساس ومحور الانطلاقة في هذا الشأن في ظل الدعم السخي اللا محدود من لدن الحكومة الرشيدة وفي انتظار تحريك وتشجيع إدارات الجامعات التي تقود وتدير الدفة بفن وإتقان وذلك لتشهد حراكاً لا هوادة فيه، يشاهد في بطون المعامل والمكتبات والمكاتب والمحافل العلمية المختلفة للأغلبية من أساتذة الجامعات والتي يقدرون بالآلاف. وليكن الهدف هو استنهاض الإمكانات والقدرات للشريحة العظمى من أساتذة الجامعات.

وفي هذا المجال ليسمح لي القارئ الكريم أن أدلي برأيي الذي أعتبره خلاصة خبرة إدارية وأكاديمية تجاوزت ربع القرن من العمل الجامعي وضمن الإجابة على السؤال الرئيسي السابق، بأن عدداً لا بأس به من أساتذة الجامعات ومع الأسف غير مؤهلين تأهيلاً أصيلاً، إما لنقص في إعدادهم وابتسار في نموهم أو لضعف مستوى البيئة المحفزة والمولدة لهم أو لكليهما معاً أو لأسباب أخرى. على أنني أجدها فرصة في هذا المقال بالدعوة التي لا إخال المسئولين عن التعليم العالي إلا مدركيها ويعملون على توفيرها لعمل إصلاح عاجل ومثمر وهادف لاستثمار أساتذة الجامعات كمصدر أساس من مصادر الثروة وبخاصة أن نتائج دراسة إستراتيجية مستقبل التعليم العالي للخمس وعشرين سنة القادمة التي قامت بها وزارة التعليم العالي قبل وقت قصير قد أصحبت جاهزة للتنفيذ. وفي هذا السياق فإنني أرى أن الإصلاح والاستثمار الحقيقي للأساتذة يمكن أن يتم من خلال ثلاثة مداخل رئيسية هي: مدخل السياسات العامة لوزارة التخطيط والتعليم العالي والاقتصاد وغيرها والتي تعنى بالاستثمار في طاقات وموارد الوطن.. ومدخل الجامعات وإدارتها وما توفره للأساتذة من مناخ وحوافز ومكافآت وآليات وضوابط تقيم الأساس لمشروع الاستثمار.. وأخيراً المدخل الذي يتعلق بالأساتذة أنفسهم، كيف يؤهلون بشكل يفي بمتطلبات الاستثمار. وفيما يلي تفصيل لذلك.

المدخل الأول: السياسات العامة للاستثمار ولا أقصد هنا بالضرورة سياسة الهيئة العامة للاستثمار لوحدها والتي من الممكن أن يكون لها دور في هذا الخصوص والتي يمكن أن تضمن سياستها وأهدافها العناية بالاستثمارات في طاقات وإمكانات أساتذة الجامعات بالإضافة إلى السياسات التي تخص وزارة التخطيط ووزارة التعليم العالي ووزارة الاقتصاد ومن له علاقة بالاستثمار في الموارد البشرية، فإن من أولى الأولويات في سياسات هذه الجهات من وجهة نظري:

1- أن يكون الاستثمار في البشر ركناً وبنداً رئيسياً وأساسياً من بنود القوانين والأهداف والخطط الإستراتيجية لديها بل يجب أن يحدد على وجه الخصوص الاستثمار في عقول أساتذة الجامعات باعتبارهم صفوة مراتب الاستثمار للحيثيات والمبررات التي طرحتها في المقال السابق، ولنا في كثير من الدول المتقدمة والمتطورة شواهد وأمثلة على استثماراتها في أساتذة الجامعات بل وفي الطاقات البشرية بصفة عامة التي رفعتها وأعلت مكانتها مثل: (اليابان والصين وكوريا والهند وماليزيا وسنغافورة وغيرها)، فقد وضعت هذه الدول سياسة الاستثمار في العقول أساساً لتطوير جامعاتها ودولها. ولعله من المناسب هنا تسجيل موقف الغبطة والافتخار بما قامت وتقوم به الدولة بتوجيه ودعم ورعاية من خادم الحرمين الشريفين في تنفيذ المشروع العظيم الذي تقوم به من خلال وزارة التعليم العالي وهو مشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث وهو في اعتقادي من أفضل برامج ومشاريع الاستثمار الحقيقي للبلد حاضراً ومستقبلاً، وسوف أفرد مقالاً خاصاً قريباً جداً عن مشروع خادم الحرمين للابتعاث وفوائده لحاضر ومستقبل الوطن إن شاء الله.

2- إن الإعلان المكتوب عن الاهتمام بالتنمية في العقول في أساتذة الجامعات لابد أن يتوازى مع إيمان واعتقاد فعلي بهذه السياسة، تتم ترجمته في سياسات وبرامج الجهات والمصالح المعنية بالتعليم والتدريب وخاصة العالي منها، حيث لابد أن تتضمن برامجها في أولوياتها إشراك الأساتذة في رسم السياسات والبرامج وفي تنفيذها بل ودعم المشاريع الإبداعية والابتكارية وكذلك المشاريع البحثية التي تخدم أهدافاً تطبيقية أو ميدانية أو أهدافاً إستراتيجية وتخطيطية في المشاريع الكبرى أو المشاريع التي يستعان فيها بخبراء أو شركات أو مراكز أجنبية. فأبناء الوطن عماد وأساس الرفعة والبقاء والولاء، ولذا وجب استقطاب المميزين منهم (Polarization) في كافة المجالات، وآن الأوان لتوسيع مشروع تنفيذ الإيمان بخبرات المواطنين بعد أن كانت عقدة الخواجة تلاحقنا في كثير من استثماراتنا ومشاريعنا والتي كان لها ما يبررها لفترة من الزمن.

3- إن من مستلزمات ومتطلبات السياسة العامة للاستثمار في العقول وعقول أساتذة الجامعات على وجه الخصوص الإعلان عن ذلك كسياسة عامة عبر وسائل الإعلام لعامة الناس في المجتمع. فإن فئة الأساتذة الجامعيين ينبغي الاستفادة منها والترويج لها على الوجه والصورة التي تحقق أهدافاً اجتماعية ووطنية بل وتحفز هذه الشريحة للعمل والإنجاز والعطاء بالصورة المشرفة والمرغوبة لأن ذلك من شأنه توفير البيئة الاجتماعية الداعمة للعطاء لهذه الفئة وإعطاؤها حقها من التميز والمكانة الاجتماعية اللائقة للعلماء وأساتذة الجامعا، فذلك مما يضاعف من عطاء هذه الفئة ويعزز دورها الشخصي والاجتماعي. وفي المقال القادم نستكمل المدخلين الآخرين الرئيسيين لمشروع الاستثمار الكبير في أساتذة الجامعات إن شاء الله.



E- mail:zozmsh@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد