في كل حين نحزم أيامنا في ذاكرتنا ونرحل.. لا نبقي وراءنا غير الأثر.. قد تمحوه الرياح وقد تبقيه السنين..
حين أمسك بأحد كتب أولئك الراحلين وأقلب حياتهم وفكرهم وقلوبهم بين يدي أتساءل من الذي رحل؟ هاهم هنا برسمهم ووسمهم أما الأجساد فقد رحلت من الحي قبل الميت..
فأين أجساد طفولتنا وصبانا؟
حين أقرأ كتاب (الأيام) أجد طه حسين يحزم أمتعته إلى (السوربون)..
وحين أقرأ (حكايات حارتنا) أرى نجيب محفوظ يركض بين أزقتها، وحين أقرأ (عصا الحكيم) أرى توفيق الحكيم يتوكأ عليها..
وحين أقرأ (حديث القمر) أرى الرافعي ينظر إليه..
وحين أقرأ (موسم الهجرة إلى الشمال) أرى الطيب الصالح يجول في شوارع لندن..
وحين أقرأ (خاطرات أرقني سداها) أسمع صوت ابن الصحراء (عبدالعزيز التويجري) كل أولائك وغيرهم كثير هل حقا دفنوا في باطن الأرض أم في باطن الكتب؟ هل هم وسط أوراقهم يتنفسون تلك الأيام.. ويحيون تلك الحقب؟.
اليقين الحق أن الحياة هي ما بعد الحياة وأن الخلود فيها هو ما نصنعه الآن لنحيا به غداً، و(جلجامش) بعد رحلته المضنية عن الخلود لم يجد سره إلا فيما سيبقى بعده لا فيما سيمتد إليه. ذاك هو خلود المعاني الذي خلد الراحلين وأعطاهم حياة تلو الحياة وسط آثارهم ومآثرهم..
***
قوم ثناؤهم خلود نفوسهم
ومنَ الهَوامدِ في الثرى أَحياءُ
(ابن الزقاق)
almdwah@hotmail.com