يتوقع البعض أن كتابة السيناريو أمر هيّن, وأنه لا يعدو عدداً من الورقات المسطرة بالطول يحبر فيها الكاتب وصف المكان والزمان ويكتب أمامها جملاً حوارية، في حين أن السيناريو أكبر وأشمل وأعمق من ذلك.
إنه مخطط أولي (لعالم الفيلم) الذي تشكل بصورة شبه واضحة في ذهن الكاتب, فبدون ذلك العالم (الفيلمي) الذي يراه الكاتب في ذهنه لا يمكن أن يكتب شيئاً, وحتى يحرك المؤلف ذلك العالم يحتاج أن يؤسس لما يعرف ب(الفعل) في العمل الدرامي بوصفه نقطة الانطلاق الأولى لكتابة السيناريو.
(الفعل) هو مركز الأشياء في الفيلم, هو الذي يدفع الشخصيات للأمام, ويرفع من حدة الصراع ويحرك الحدث, ومن خلال الفعل يأتي الحوار, يأتي الانفعال, تأتي الإرادة. الحوار ليس مجرد كلام, وإنما يأتي من طبيعة (الفعل), الفعل هو مصدر الحوار وهو يعطي للحوار خصائصه, فكل حوار يختلف باختلاف (الفعل) المنبثق منه.
وعندما تريد أن تبحث عن (الفعل) في الدراما الخليجية, لا تكاد تجده, بقدر ما تجد (أفعالاً ناقصة) مكتوبة بغير وعي, تقود إلى (حوارات) أشبه بالكلام الذي لا يؤدي بك إلى نتيجة, مجرد سوالف بين مجموعة جالسين في (صالة) يتبادلون الأحاديث والسوالف والآهات والنظرات، حتى ينتهي المشهد, والمشكلة هنا أن هذه الحوارات ليس مصدرها (الفعل) الذي يحدد نوع الحوار بدقة.
هذا المعنى (للفعل) ينتفي به (عادة) بعض الممثلين الذين لا يتقيدون بالنص, حيث تجد أحدهم يقول قبل التصوير: (عطوني المعنى) وأنا أعطيكم الحوار, وهذا غير صحيح. لو أنه سأل: ما هو الفعل؟ لكان سؤالاً علمياً. أما رمي النص والاكتفاء بحوارات مبتورة عن الفعل جاءت باجتهاد لحظي حتى (يشوت) المشهد, فهذه مشكلة كبرى, وأزمة في مفهوم نظرية الدراما, وأزمة في معرفة أهمية الفعل.
ra99ja@yahoo.com