قبل أكثر من عقدين ونيف من وقتنا الراهن، أستعيد ما يطوف بالذاكرة حين استدعاء متماثل لفكرة، في موقف ما، استعادة تستلهم المقارنة.., من ضمن ذلك ما حدث حين جاءتني مديرة لإحدى المدارس هي الآن على مقعد مسؤولية أعلى كعباً، وأوسع نفوذاً وبيدها ما يفيد تورط طفلتين في خطيئة أب لا مسؤول، واتخذت هي من جهتها أمر الرفع عن الحالة بسريتها التي كانت تخرج عن إمكانية التردد على الألسنة أو إحاطة أحد غير ذي شأن في وسائل إعلام أو سواها، وما كانت لتأتي لاجئة لمشورتي في وجود منفذ آخر إلا ثقة بأنها قد بذلت ما في وسعها لحمايتهما قبل حدوث ما يخدش طفولتهما، وكان دوري أن ربطتها بالأميرة النابهة الصامتة في عملها النافذة بدأبها التي لا تحتاج لمن يشهد فرداً على أداءاتها المميزة طويلة المدى سارة بنت محمد إذ كانت في تلك المرحلة رئيسة لشؤون النساء في وزارة العمل بمسماها الأول.., فاتخذت على الفور إجراءاتها وما نامت الطفلتان تلك الليلة إلا في كنف حماية مؤسسة حكومية وساهرات على الأمومة.., غير أن الأمر اتخذ يومها إجراءات بطيئة ببطء ملف الصادر والوارد الذي كان يتحرك على سرعة المستخدمين من البشر، فأقدام السعاة منهم تتفاوت قدرتها ومهارات المشي لها، فمنهم من أنهكه الزمن وفتَّ في عضلاته رحيق وهنه، فما أن وصل الأمر وعاد في دورته البطيئة إلا كان الأمر قد خرج عن أسوار المدرسة، بل عن بيت الأبوية المتهالك عن فراغ يُتم وتشرد وفقر ولا مسؤولية إلى بيت أسواره من رحمة، وأسرَّته من وعي, فما الذي حدث؟... بعد أكثر من شهر، تم لفت نظر المديرة النابهة التي تجاوز عملها كرسي إدارتها إلى أبواب المسؤولين المباشرين مع كامل الحيطة ومنتهى الأمانة، والسبب الذي ورد في إدانتها يتركز في أنها قامت بإخراج الموضوع عن دائرة عملها، ..يومها لم يكن هناك من يشد على يديها ويقول لها: أنت نموذج المديرة الفعال، أنت تحققين أعلى درجات معايير (الجودة) التي لم تكن قد وصلت أوراقها وجداولها (مطبوخة) لمنصات التعليم والشؤون الاجتماعية بعد، بل لم تأت كلمة شكر للأميرة المسؤولة التي تبارت في الحماية والإنقاذ، ..يومها أيضاً لم تصل هذه القضية لمنصات الإعلام ولا لصفحاته بينما كانت في يد مديرة تحرير جريدة يهمها أن تحقق السبق، ذلك لأن معايير الأداء كانت لا تزال ضمن أطر أخلاقية كبيرة ومهمة، إذ الغاية هي حماية وإنقاذ طفلتين من عبث الجهل وعوز الفقد واليتم، في هدوء وتنفيذ، وسرعة وحفظ، وحزم وقرار,.. تذكرت كل هذا وتداعت ملحقاته في جوانب ما يليق وما يجب وما لابد، في ضوء أحداث مماثلة باتت الآن في تلاك كما اللبانة بين الأسنان, متلبسة مصطلحات كثيرة مغلفة بلمعة في دوائر: حقوق الإعلام، وتهافت النشر والإذاعة والتصوير،
بل التنابز والتهالك على الفوز بألقاب وهمية للنجاح والمبادرة بينما هي خسائر ضمن مفقودات كثيرة تم التفريط فيها على مستوى أخلاق التعامل مع الأمور الشخصية للإنسان.