في خضم النقد المتواصل الذي تواجهه مؤسسات التعليم العام والجامعي في المملكة حول سوء مخرجات التعليم وعدم مناسبتها لواقع العمل بالقطاع الخاص تبرز الكثير من الآراء من الكتاب والأكاديمين والمتخصصين والتي تحاول طرح الافكار والتجارب المميزة في حقل التعليم والتي يجب ان يستفاد منها لكي نقضي على الفجوة الواسعة بين مخرجات التعليم ومتطلبات العمل بالقطاع الخاص. وبالرغم من كل ذلك نغفل دور مؤسسات أسهمت إسهامات قيمة في تخريج جيل كبير من القياديين والتنفيذيين والمديرين والمتخصصين استفاد ومازال يستفيد منهم القطاع الخاص بالمملكة.
لنأخذ على سبيل المثال مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) والتي اسمهت بشكل كبير في احداث نقلة نوعية في الفكر القيادي للمملكة من خلال الحاق موظفيها في برامج الابتعاث والتدريب المتنوعة للحصول على الدرجات العلمية العليا والشهادات التخصصية وعندما عاد هؤلاء خدموا ساما ومن ثم انتقلوا للعمل بالقطاع الخاص ووصلوا إلى قمة الهرم القيادي بالشركات. بالفعل يستحق أن نطلق على ساما مصطلح المؤسسة المتعلمة learning organization كونها اسهمت بشكل مباشر في تطور القطاع الخاص بضخها هذا الكم الكبير من القياديين في المملكة والذين استفاد منهم القطاع الخاص بجميع قطاعاته المختلفة. وكأحد خريجي مدرسة ساما أشعر بالامتنان لإدارة المؤسسة وأنا أرى الزملاء من خريجي مدرستها وهم يتولون الآن المناصب المهمة في شركات القطاع الخاص من الإدارة المتوسطة وحتى الإدارة التنفيذية ولا نملك إلا أن نشد على أيدي المسؤولين في ساما والمؤسسات الآخرى على الاستمرار في تفعيل برامج الابتعاث والتدريب لضخ دماء قيادية اكبر بالقطاع الخاص وهو الأحوج لما يكون لمثل هذه القيادات المواطنة. بالفعل ساما ومثيلاتها من المؤسسات الحكومية وقياداتها السابقة والحالية يستحقون منا كل الثناء والتقدير على حسهم الوطني الرفيع ونظرتهم البعيدة المدى وتغليبهم مصلحة البلد على مصلحة مؤسساتهم من خلال تأهيل القيادات الشابة بأفضل البرامج العلمية والتدريبية وضخهم في القطاع الخاص.
هناك أيضا مؤسسات حكومية تستحق أن يطلق عليها مسمى المؤسسات المتعلمة learning organizations لإسهامها بدور فاعل في تأهيل وتخريج الكثير من القيادات التي تقود شركات القطاع الخاص الآن عل من أبرزها الصندوق الصناعي للتنمية والذي بالفعل قدم لسوق العمل قيادات سعودية فذة استفادت من برامج التأهيل العالية الجودة التي قدمها الصندوق كبرنامج التمويل والأستثمار بالتعاون من مصرف تشيس منهاتن الأمريكي. آمل من مسؤولي القطاع الخاص وعلى رأسهم مسؤولو الغرف التجارية والصناعية أخذ المبادرة لتكريم تلك المؤسسات ومسؤوليها السابقين والحاليين لإسهاماتهم القيمة في تطور وتعزيز دور القطاع الخاص السعودي.
استشارات
* أنا مدير لإدراة الموارد البشرية بإحدى الشركات المساهمة ونرغب في تطبيق نظام قياس التوجهات عند تعيين المديرين أو ترقيتهم بالشركة، فهل ترى ذلك مناسبا؟
(ع. الرياض).
* من وجهة نظري الخاصة، أنا غير مؤيد لتطبيق القياس عند اختيار المديرين التنفيذيين كون اختبارات قياس التوجهات او ما يعرف ب psychometric testing وضعت لأهداف عديدة أقلها اهمية مسألة اختيار المديرين التنفيذيين كون تلك القياسات تتجاهل أمورا مهمة جدا في اتخاذ قرارات التعيين. لكن بالرغم من ذلك فأنا مع تطبيق مثل تلك الاختبارات على حديثي التخرج لكي تساعد في معرفة توجهاتهم وبالتالي وضعهم في الإدارات والوظائف التي تتناسب وتوجهاتهم وبهذا يمكن الاستفادة منهم بشكل اكبر والمحافظة عليهم من التسرب retention كونهم يمارسون أعمالا قريبة من اهتماماتهم وتوجهاتهم الشخصية والمهنية. أما أبرز استخدامات اختبارات قياس التوجهات فهي وضعت للاستفادة منها في المساعدة في وضع البرامج التطويرية للاشخاص كونها تعطي مؤشرات شبه مؤكدة عن جوانب القصور في توجهات الشخص ولذا يمكن من خلالها رسم خطة لتطوير قدرات الشخص (الموظف) للتغلب على جوانب الضعف أو القصور لديه.
* هل تؤيد قيام الحكومة بتحديد حد أدنى للأجور خصوصا أن كثيرا من الشركات تدفع رواتب ضئيلة وتطالب بساعات عمل طويلة جدا وهو وضع صعب على أي مواطن لديه الكثير من المسؤوليات؟
حميد الشراري (الرياض).
* الجواب المباشر لسؤالك هو نعم وهو سؤال جيد والجواب بشكل كامل يحتاج إلى اطالة ليس المكان لها هذا الحيز الصغير ولكن سوف اختصر الإجابة، فهناك دول عديدة وكبيرة ممن تطبق مبادئ اقتصاديات السوق كالولايات المتحدة الأمريكية تتبنى مثل هذه السياسات الرامية إلى تحقيق درجة من العدل الاجتماعي يستطيع من خلالها محدودو الدخل الوفاء بمتطلبات الحياة الأساسية وهذا وأن كان يعتبر تدخلا من الحكومة بقواعد السوق الحرة والتي تعتمد على مبدأ العرض والطلب لتحديد قيمة الاشياء إلا أني ارى أنه في مثل وضع الحد الأدنى للأجور تعتبر قضية إنسانية لها تبعاتها الاجتماعية ولذا فهي أهم من قضية احترام قواعد السوق ومبدأ العرض والطلب. فالحكومة من وجهة نظري الخاصة يجب أن تتدخل لتمنع الضرر الذي يلحق بمحدودي الدخل من اضطرارهم للقبول بمرتبات لا تفي باحتياجاتهم الأساسية وهم يقبلونها من مبدأ (مكره أخاك لا بطل). ولكن حسب معلوماتي الخاصة فإن وزارة العمل ومن خلال مكاتب العمل المنتشرة في المملكة العربية السعودية تسعى بشكل دؤوب لتحفيز وتشجيع الشركات على منح المواطنين من ذوي الدخول المحدودة رواتب مناسبة كافية للوفاء بمتطلبات الحياة الاساسية وقد شاهدت ذلك في إحدى زياراتي لمكتب العمل بالرياض كيف أن مسؤولي مكتب العمل وتوظيف السعوديين يطالبون بشكل مستمر مسؤولي الشركات بالرفع من رواتب محدودي الدخل وهذا جهد يشكرون عليه.
وقفات
* يحسب لمحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي السابق الأستاذ حمد السياري تبنيه لبرامج تأهيل القيادات السعوديين عندما كان مسؤولا بالصندوق الصناعي ومن ثم بمؤسسة النقد ولذا فهو جدير بالتقدير والاحتفاء من قبل مسؤولي القطاع الخاص وليت الاحتفاء يتم في وقت قريب لكي يحقق الهدف منه.
* ذكري في المقال لدور ساما والصندوق الصناعي كان للتدليل وليس الحصر ولا يعني تجاهل أدوار المؤسسات الحكومية الأخرى التي أسهمت بقدر كبير في دعم القطاع الخاص بالقياديين.
* المبادرة التي ترعاها ساما وهيئة سوق المال لبناء صرح تعليمي جامعي بمواصفات عالمية في مجال الدراسات المالية تستحق كل الثناء وأتمنى أن ترى النور قريبا وهو امتداد لجهودهم ومبادراتهم المميزة.
ترسل الأسئلة إلى sammash@yahoo.com