يقول المثل الإنجليزي (لا يوجد غداء مجاني)، ونقول لا يوجد من يقدم النصيحة المجانية في سوق الأسهم، ومن كان على علم ودراية بحركة السوق فسيحتفظ بعلمه لنفسه، ولن (يتصدق) بها على الآخرين، فالنفس البشرية جُبلت على الطمع، وأصحاب القلوب الخيرة يندر وجودهم في سوق الأسهم، وقد وقفت على مصائب المتضررين بنفسي، ورأيت خاتمة توصيات المحتالين ممن كان يُعتقد فيهم النصح، والصلاح. قبل وقوع المصيبة يُتهم كل من حاول نُصح الآخرين من الوقوع في شباك المحتالين (بالحسد)، وسوء النية، وبعد وقوع المصيبة يُتمتم الخاسرون بعبارات الحسرة، والأسف على رفضهم الإنصات لصوت الحكمة، والأمانة.
ما يجري في السوق السعودية من مخالفات صريحة لأنظمة السوق المالية أمر متعارف عليه منذ (فتنة الأسهم) التي أشغلت الطفل والشيخ الكبير والمرأة والرجل. تعددت أشكال المخالفات، وأماكن تنفيذها وأتفقت جميعها على سلب الناس أموالهم بالباطل. تقرير هيئة السوق المالية الأخير كشف عن بعض مخالفات مواقع ومنتديات الإنترنت وتوصيات الأشخاص أو المجموعات ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية.
لا يمكن فصل وسائل بث التوصيات، والشائعات على أساس أنها أصبحت متداخلة ومترابطة ببعضها البعض. هناك جانب خفي يوثق العلاقة بين مراكز التوصيات الهاتفية، مواقع الإنترنت، المكاتب المتخصصة، ووسائل الإعلام. بعض (فُرسان) التوصيات مدفوعة الأجر، وذات العلاقة بإدارة المحافظ من طرف ثان، هم من ضيوف الإعلام الدائمين، والفاعلين في مواقع الإنترنت، ومراكز توصيات رسائل الجوال مدفوعة الأجر. البعض يُستغل من جهات مختصة تهتم بإدارة محافظ الأسهم، والبعض الآخر يُستغل لتمرير رسائل إعلامية موجهة بقصد تحقيق أهداف بعض كبار المضاربين في السوق. وآخرون يعملون لحسابهم الخاص، ويديرون محافظ (المغدورين) بمعرفات وأرقام مالكيها في مخالفة صريحة لأنظمة السوق، وقواعد مكافحة غسل الأموال!. كل هؤلاء يستغلون بعض وسائل الإعلام لتسويق أنفسهم للمشاهدين والمتداولين ومن ثم استغلالهم لتحقيق أهدافهم الخاصة، أو أهداف من يعملون لصالحهم في سوق الأسهم. هناك بعض القنوات الفضائية تتفوق على نظيراتها بسبب اعتمادها على فرق عمل متخصصة في تقديم النشرات المالية تمتاز بالحرفية، الكفاءة، والدقة. حرفية قادرة على كشف زيف بعض المحللين، وتصحيح معلوماتهم المغلوطة، أو توقعاتهم غير المتطابقة مع الواقع، وتتفوق في كثير من الأحيان على بعض الضيوف الأكاديميين، ما يساعد في تأصيل الثقافة الاستثمارية ونشر الوعي في السوق. بعض تلك المحطات تمتلك الجرأة في منع بعض المحللين من الظهور لديها إذا ما خالفوا ضوابط التحليل، أو تعمدوا الإضرار بالآخرين، وهو عمل احترافي يندر تطبيقه في بعض المحطات الأخرى!.
إغلاق مواقع الإنترنت المخالفة قد لا يحل معضلة التوصيات وترويج الشائعات، خاصة وأن الكثير من المواقع المهتمة بالسوق السعودية تُنشأ وتدار من الخارج!، كما أن وسائل الاتصال المتطورة الأخرى لا يمكن السيطرة عليها من الناحية الواقعية. أعتقد أن مراقبة مواقع الإنترنت المؤثرة، ووسائل الاتصال الأخرى في السوق السعودية وربط مخرجاتها المعلوماتية مع ما يحدث في سوق التداول يمكن أن يقود إلى كشف المحتالين الحقيقيين، أو (ممولي تلك المواقع وروداها) بصورة أدق. فالمحتال الحقيقي أو من يُصنف ضمن قائمة (كبار المضاربين) لا يؤدي أدوار الاحتيال الموجهة بنفسه بل يستغل جهود الآخرين لتنفيذ خططه الإستراتيجية، واستغلال رسائلهم الإعلامية لمصلحته في سوق التداول.
المشكلة تكمن في ثقافة المتداولين الاستثمارية، وجشع بعض المضاربين، ومخالفتهم الأنظمة والقوانين، وتهاون بعض وسائل الإعلام في التعاون مع من يستغلها لتحقيق أهداف خاصة مضرة بالسوق والمتداولين.
إجراءات هيئة السوق المالية، على الرغم من أهميتها، لا يمكن أن تُحدث التأثير المأمول، أو أن توقف مخالفات مواقع الإنترنت الأخرى، وبعض وسائل الإعلام، فمن خلال مرور عاجل على بعض المواقع العاملة، ووسائل الإعلام في الثلاث أيام الماضية لم أجد تغيراً يُذكر على أنشطتها الاعتيادية، ما يعني أنها لا تكترث بما أصاب الآخرين!. أعتقد أن معركة هيئة السوق المالية الكبرى هي في السوق لا خارجه، فتلك المواقع، وبعض وسائل الإعلام، وعدد محدود من المحللين غير الأكفاء إنما يخدمون عمليات بيع وشراء تتم داخل أسوار السوق، ويمكن للمراقب الحذق كشفها بتتبع (خيوط جريمة الاحتيال) ومن ثم محاكمة المحتالين الحقيقيين وإيقاع العقوبة عليهم لضمان عدم قدرتهم مستقبلاً على فتح مواقع أخرى واستبدال الموقوفين بوجوه جديدة على السوق، المشاهدين، وسائل الإعلام، وهيئة السوق المالية.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM