اسألني ما هويتك؟ أقل لك: ما أنا عليه الآن..
لم أجد وصفاً ممكناً للملامح العربية الآن سوى الشعور ب(قلة الحيلة) أمام مختلف تيارات العالم المتصارعة من أجل البقاء في عالم لا يوجد فيه إلا الأقوى.. الأنجح، أو على صيغة (أفعل التفضيل) كما يقول النحويون، وعلى مختلف الصعد.
ولم أجد حكومات أفشل من حكوماتنا العربية التي تحارب بل وتقتل كل طموح لدى شبابها العربي الذي محرم عليه أن يفكر، أو يتحرك خطوة نحو مستقبله الذي هو كل حياته.. وتبخل هذه الحكومات بما لديها لتفاجأ بخسارته في أزمة مالية عالمية. ألم يكن مواطنوها أولى من هذه الخسارة لتنمية الفكر والإبداع، لتنمية الإنسان عموماً؛ والعربي خصوصاً!
وحين أتعامل مع الوجوه المصبوغة صبغة شقراء، أو ممن يعيشون خارج العالم العربي وهم عرب، وكثيرون أعتز بصداقاتهم، أجد أن تكوينهم قد اختلف لأنهم يحيون على كل ما يشجع بقاءهم بدءاً من حكوماتهم، وصولاً إلى كل ما يحترم الإنسان وينميه. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لي صديق بريطاني من أصول عربية متزوج من امرأة من كوسوفا، وبالطبع هو يتحدث العربية والإنجليزية، وزوجته تتحدث لغتها الأم، والإنجليزية هي لغة التفاهم المشتركة بينهما، وما كان من المدرسة إلا أن أرسلت خطاباً لصديقي تطلب استدعاءه، لتخبره أنه من المفروض أن يتحدث هو العربية مع الأولاد، وأمهم تتحدث لغتها، وفي المدرسة والمجتمع المحيط يتعلمون منهما الإنجليزية لغة البلد الذي يقيمون فيه، وكل وسائل التعلم هذه مجانية لأنهم يحملون جواز سفر البلد الذي يقيمون فيه.
بينما في بلداننا العربية يتفنن المدرسون في بث كل كراهية للتلاميذ الذين يعلمونهم بالتلقين المباشر والحفظ، والإجابات النموذجية التي تقتل كل إبداع، وسرعان ما ينسون كل ما تلقنوه بمجرد انتهاء العام الدراسي، وكل إنسان لديه ملكة أو علم ويشعر بأنه لا إمكانات متاحة له في دولته، فيتمنى لو يذهب إلى بلاد ما وراء المحيط، وكذلك باقي التخصصات التي لو أحسن تدريبها وتعليمها وليس بعد التخرج، إنما من مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي والعمل على صناعة هذه الثروة البشرية التي هي أساس كل حضارة.
التجارب هي أصل كل خبرة، ولي عدة تجارب مع غير العرب تثبت أننا صرنا في ذيل القائمة، ونتغافل عن ذلك بكبر غريب. تهتم مؤسساتنا في جميع أنحاء العالم العربي بكم ساعة بقيت في عملك، ولا تهتم مطلقاً بمستوى الأداء الذي قدمته خلال هذه الساعات، وربما تحاسبك لو تأخرت في ظرف استثنائي عن وقت الحضور، أو تصلك مساءلة لو قررت مغادرة مكان عملك لأن طاقتك قد استنفدت.
الخلاصة أننا صرنا نحاول جاهدين الجري وراء الشكل في كل مناحي الحياة، من دون تحليل عقولنا للوصول إلى مضامين تنهض بنا، فمثلاً، كمبيوتر في كل بيت، لكن ماذا يفعل الأبناء به، يلعبون play station، فقط الألعاب، أخذنا شكل الحضارة الحديثة دون الوصول إلى مغزى وجود الكمبيوتر.
كل مناحي الحياة الآن صارت تحتاج لنهضة شاملة، ومن الأفضل أن تبدأ من الصفر، فلا داعي لأن نبكي على أننا كنا في سالف العصر والأوان حماة الحضارة. هويتنا الآن هي بقاؤنا في ذيل القائمة إذا لم ننهض بقوة، لنستقطب الخبرات العربية التي تحتاج إلى تطوير لنطورها، لكن بشرط عدم اللجوء إلى (الاسترخاص)، بمعنى أن نسعى جاهدين لدفع أقل تكلفة مالية، ولو كان من نستعين بهم من أنصاف الخبرات مثلاً، ونتناسى أن رأس المال الذكي هو من يدفع لشراء الخبرات اللازمة حتى يتمكن من اعتلاء سلم النهضة الجديدة، وعلى أوسع نطاق ممكن.
والآن أصبح الإنسان العربي يقف على رأس من رؤوس المثلث (الفقر، الاسترخاص، قلة الحيلة)، ولكن حتى لو تخلص من الفقر، فكيف يواجه الاسترخاص الذي يجده من مؤسسات عربية لا تنوي أن تنفق لاعتقادها أنها تكسب، والحقيقة أنها تخسر وبقوة، وستسقط بسرعة الانهيار يوماً ما.
وقفة...
قبل أن ننظر إلى الآخر من فوق سلم، علينا أن نفكر جيداً في الوقت الذي سينظر إلينا الآخر من فوق جبل.
Aboelseba2@yahoo.com