في زمنٍ انقضى كان للخطاب السياسي والإعلامي العربيِّ شأنه، فيكفي أن يتحدث عبدالناصر ويعلق أحمد سعيد لينصرف الناس إليهما وعنهما ويمثلا لكلا الفريقين المتضادين نقطة التجاذب والتنافر.
- وقبل أكثر من ربع قرن تقاعد (ولتر كرونكايت) أحد أشهر الإذاعيين الأمريكيين وأكثرهم موثوقية تجاوزت -في استفتاء شعبي- ثقة مواطنيه بالسيد المسيح عليه السلام وقد عجب حين وجد الناس منصرفين لشؤونهم وأشار (مازحاً) إلى أنه قد ظن أن لا أمر يشغلهم غير مشاهدته في نشرة أخبار السادسة.
- لم يعد للسياسي ولا الإعلامي دورُهما السابق؛ فأصبح (للواعظ) تأثير يتجاوزُهما، وجاءت (التقنية) لتتحكم في مسارات التأثير بحيث أوصلت أصواتاً جديدة تحملُ براغماتية السياسي وجدليّة الإعلامي ونمطية المؤدلج وربما جاءت في خليطٍ معرفيِّ واجتماعيّ يتجاوز ما أشار إليه عبدالله العروي في ثلاثية (الشيخ والليبرالي والتقنية).
- تتضح (المرحليّة) في تبادلية التأثير بحيث لم يحتكر أي من أولئك موقع الصدارة ويحتفظ به وهو ما يشير إلى انحسار السلطة الأبوية، وبدء تحرر القاعدة الجماهيرية العريضة من الجري خلف الشخوص المجتمعية التي تفرضُ ذاتها وترفض سواها.
- وإذ لم تعد للخطاب السياسي جذوتُه فإن الخطابات الأخرى بدأت في الانطفاء، وربما كانت هذه بداية الاستقلال الفكري خارج منظومة النسق الرّعوي الذي ساد بدعم من مرجعيّات الكراسي التي ينقادُ إليها المصطفُّون ممن قدرهم الانسياق دون سياق.
- ويبقى السؤال حول المدى الذي يمكن أن يتسع للفئام المؤدلجة بعد انحسار التبعيات السياسية والإعلامية، لكن من يقرأُ الأمس واليوم لن يفاجأ بغدٍ ينفضُ فيه الأشياع، ويخبو ضجيج الشارع بانحسار حماسة الشاعر وفوضوية المشاعر وجاذبية المنابر.
- كان لمظفر النواب حضور لدى جيلنا حتى حفظنا (وترياته الليلية) ومرّ زمن أدمنّا فيه أشرطة الشيخ عبدالحميد كشك، وجاءت أجيال تالية بشعرائها ووعاظها، وسيجيءُ غيرهُم بغيرهم.
- سننأى عن الشخوص؛ لنرى أن نظرية (رولان بارت) حول (موت المؤلف) -بمفهومها البشري- تتفق مع القراءة الواعية للنص؛ بحيث يتم تحييد الأسماء وتجاهل الأضواء والانصراف عن أرقام المريدين؛ فلا قيمة لتابعٍ لا يملك أمر نفسه منتظراً التوجهات والتوجيهات.
- النجوميّة أفولٌ مؤجل.
Ibrturkia@hotmail.com