Al Jazirah NewsPaper Tuesday  14/04/2009 G Issue 13347
الثلاثاء 18 ربيع الثاني 1430   العدد  13347
الحبر الاخضر
رسالة المبتعث
د. عثمان بن صالح العامر

 

فعلاً العالم قرية صغيرة!!، الترحال فيه من دولة إلى أخرى أمر لا يشق بل ممتع وشيق، والأخبار تنتقل بين جهاته الأربع بسرعة غريبة وبطريقة عجيبة لحظة بلحظة صوتاً وصورة، و... إلخ.. أوجه شبه كثيرة بين القرية الصغيرة فيما مضي والعالم الكبير اليوم، كانت نقاط الشبه هذه مدركة في السنوات القليلة الماضية من قبل الخاصة والمثقفين والكتّاب، وهي اليوم واقع نعيشه جميعاً، حتى وصل الأمر عند الكثير منا إلى ذوبان ذلك السد الحصين وانتهاء تلك الممانعة النفسية والاجتماعية بين عالمي الشرق والغرب، قبِل الآباء والأمهات سفر الأبناء والبنات إلى لندن وواشنطن بل إلى أبعد من ذلك وأكثر غربة سواء كان السفر للدراسة أو التدريب أو التجارة أو السياحة والتسلية، طبعاً تغير غريب وسريع جداً، هبت رياحه على الجميع حتى الطبقة الفقيرة، فضلاً عن الوسطى مستها رياح التغير العاتية هذه، لا يهم، المهم حال المبتعث الآن وهو في بلاد الغربة وحين يعود، (هل سيعود كما نؤمله أم أنه لن يعود، أقصد سيعود شخصاً آخر؟)، صور عديدة نراها هناك ونسمعها هنا والعهدة على الراوي، لم يعجني البعض مما رأيت وسمعت، قصص قتل واختطاف وفشل سواء في فهم المجتمعات هناك أو في القدرة على ضبط الذات حين تكون في مواجهة الآخر، أو أنه فشل في مواصلة الدراسة -المهمة التي جاء من أجله هذا الشاب أو تلك الفتاة-، وفي المقابل أعجبني الكثير من قصص التميز والجدية والقدرة على فهم الآخر وحسن التعامل معه، أعجبني مثلاً ما نشرته الصحف وسط الأسبوع الماضي من إسلام بروفيسور فرنسي معروف ومشهور في تخصصه (ذوي الحاجات الخاصة) على يد طالبة سعودية، وقصة أخرى سمعتها من أكاديمي معروف قبل عدة أسابيع وفي محفل عام، يقول صاحبنا مشيداً بهذا النموذج: (كان هناك طالب سعودي يدرس في جامعة أوروبية وهناك بروفيسور مشهور يٌدرس مادة (مقارنة الأديان) - إن لم تخني الذاكرة -، رغب هذا الطالب أن يدرس هذه المادة عند هذا المختص المتميز، وعندما ذهب إليه ليسجل المادة وقرأ الأستاذ الاسم، قال له مباشرة: لا أستطيع أن أدرسها لك، فرد الطالب سريعاً: ولِمَ؟، قال الدكتور: لأنك مسلم وأنا يهودي، فاسمك محمد وأنت تعرف كرهنا لكم وكرهكم لنا، والتاريخ يشهد على ذلك. حاول الطالب إقناعه بشتى السبل، وشعر بالتحدي، فألح وبشكل غريب وربما كان من باب الانتصار في هذا الموقف، وما كان من أستاذ المادة إلا أن رد عليه وبلغة القوي، اسمع إذ درستك هذه المادة فلن تنجح فيها مهما تقدم من جهد، رضي الطالب بهذا القرار الجائر، وخاض غمار التجربة بإصرار وكان ملتزماً وحريصاً على الحضور قبل غيره، وانعقد الامتحان الأول وأعلن الأستاذ نتائج الطلاب إلا نتيجة محمد، ومثله الثاني حتى السادس مع أنه لم يكن في العادة أن يجري هذا الدكتور كل هذه الامتحانات، وبعد الامتحان السادس نادى البروفيسور الطالب محمد فقال له: لماذا لم تأت لتسأل عن نتائج الامتحانات السابقة، فرد محمد على الفور: لأنني حصلت عليها منذ بداية الفصل فلماذا أسأل عنها؟.. سكت الأستاذ وانصرف الطالب وجاء الامتحان الأخير، وبعد أن استلم الأستاذ أوراق الطلاب قال: لتعلموا أيها الطلاب أن كل ما كنت أدرسكم خطأ، وأن الصحيح ما جاء به محمد رسول الله، قم يا محمد وأجب على الأسئلة كم هي الإجابة الصحيحة التي في ورقتك، قام محمد وكله ثقة وقرأ السؤال ثم اتبعه بالجواب الذي يدرسه على يد الدكتور.. ولم يكتف بذلك بل ذيل إجابته على كل الأسئلة بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وكان هذا هو ديدنه منذ أول امتحان، وما أن انتهى الطالب من قراءة ما كتبت يده حتى قال أستاذه اليهودي: (أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله).. وجاء من الغد صائماً مع المسلمين أول أيام شهر رمضان المبارك، وانتظم في صفوف المصلين في أحد المراكز الإسلامية هناك. لقد عكس محمد صورة الشاب المسلم الواعي والمؤثر بأخلاقه وثقافته الواسعة واستشعاره لرسالته.. أنا أعرف أن مثل هذه القصص قد تكون حالات نادرة ومحدودة ولكن المبتعث الحق هو سفير لبلاده وممثل لدينه ونموذج للطبقة المتعلمة في المجتمع السعودي، وأتمنى أن يتذكر كل طالب وطالبة هذا الرسالة جيداً، كما أنني ومن خلال رحلاتي الخارجية زرت عدداً من السفارات السعودية والملحقيات الثقافية والأكاديميات السعودية، وقد كتبت عن بعضها في هذه الزاوية ولأهمية الدور لهذه الصروح الهامة في موضوع هذا اليوم (رسالة المبتعث) فإنني سأعود لها في مقالات قادمة بإذن الله.. وإلى لقاء والسلام.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد