زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.
أزمة الهوية
Identity Crisis
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا بنت عمري 18 سنة مشكلتي يا دكتور مشكلة، فأنا تعبت من نفسي، صرت أكره نفسي لدرجة كبيرة. أنا إنسانة فاشلة في كل شيء ما فيه شيء ما فشلت فيه. صفات شخصيتي جداً مكروهة لدرجة إذا تضايقت من نفسي أحاول آذي نفسي بأني أضرب يدي على الحديد وأنا أتألم لكن أتحمل الألم وأزيد.
دكتور أنا إنسانة فاشلة وحساسة لدرجة كبيرة وكتومة وما أتقبل المزاح وما أنسى الزلات. دائماً أنطوي على نفسي، أكره ذاتي، وربي الشيء الوحيد الذي يبعد عني فكرة الانتحار أنه حرام ومصيره النار.
أنتقم من نفسي بالقلم، أكتب اسمي وأشوهه وأحاول أطمس كل حروفه.
أتمنى أن ترد علي وتساعدني ماذا أعمل بنفسي، تعبت والله تعبت.
* وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أختي الكريمة يبدو لي من خلال عبارات رسالتك أنك كتبتيها وأنت بحالة نفسية مشحونة حد الذروة، لذلك طغى عليها أسلوب التعميم الذي يعبر بالتأكيد عن وضعك النفسي وقت الكتابة لكنه لا يعبر بالضرورة عن الواقع، فعندما تقولين مثلاً: أنا إنسانة فاشلة في كل شيء. هذا تعميم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون واقعياً وبإمكانك بنفسك معرفة ذلك من خلال التفكير لدقائق قليلة في مجالات مختلفة من حياتك لابد أنك ناجحة بها.
مثلاً قدرتك على التعبير عن مشاعرك لحظة كتابة الرسالة حتى وإن كان بأسلوب فيه مبالغة وتعميم لكنه يظل نجاحاً في أحد جوانبه. ثم تستمر التعميمات فتقولين صفات شخصيتي جداً مكروهة، فهل كل صفات شخصيتك مكروهة، ومن من تحديداً؟ هل لا يوجد أشخاص في حياتك أبداً تعجبهم بعض جوانب شخصيتك، ولو حتى بعض جوانب هذه الشخصية (على الإطلاق؟).
كما ترين يجب أن تضعي حوارك الداخلي والأفكار التلقائية التي تدور في رأسك تحت الاختبار المباشر لتحديد مدى واقعيتها.
بالطبع هذا الأمر ليس سهلاً في الكثير من الأوقات، خصوصاً لفتاة في مثل عمرك (وأقصد هنا مرحلة المراهقة)، فهذه المرحلة تعتبر من الناحية النفسية الاجتماعية مرحلة تحول عميق في الدور الذي يلعبه الإنسان في الحياة ومن هنا تنشأ أزمة الهوية IDENTITY CRISIS حيث تبدأ الأسئلة الداخلية الملحة (من أنا؟) (ما هو دوري في الحياة؟) (هل أنا بنت محبوبة أم مكروهة؟) (هل أنا بنت مقبولة من الآخرين أم لا؟) (هل صفات شخصيتي تعجبهم أم لا؟). هذه الأسئلة طبيعية في مثل هذا العمر خصوصاً بالنسبة للبنت حيث تتشكل هوية المراهقة عادة باتجاه البحث عن القبول من الآخرين والنجاح في العلاقات الاجتماعية بشكل أساسي، بينما يختلف الوضع بالنسبة للشاب المراهق حيث يميل في فترة المراهقة لإثبات هويته من خلال البحث عن الاستقلالية والشعور بالقدرة على الاعتماد على نفسه بعيداً عن سلطة الأبوين.
أعود إلى رسالتك مرة أخرى، فمحاولات إيذاء نفسك بضرب يدك على الحديد وتحمل الألم ليس سوى نوع من التنفيس عن التوتر الداخلي تماماً كشد الشعر أحياناً من بعض الفتيات حتى الشعور بالألم ثم الاسترخاء بعد ذلك. لكن هذا النوع من التنفيس ليس مطلوباً بالتأكيد بل يجب استبداله بأسلوب أكثر نضجاً وإيجابية، فمثلاً بدلاً من كتابة اسمك ثم طمس كل حروفه بلا مبرر يمكنك تطوير هواية تحبينها كالرسم، الخط أو أي هواية تستطيعين من خلالها التعبير عن دواخل نفسك بشفافية أكبر.
نصيحتي لك أختي أن تجلسي مع امرأة أكبر منك عمراً وأكثر نضجاً وتسأليها عن نوع الأفكار والمشاعر التي مرت بها عندما كانت بمثل عمرك وستجدين أن كثيراً منها تشبه الأفكار الداخلية التي تراودك حالياًَ لأن التجربة الإنسانية متشابهة إلى حد كبير. أما إذا لم يكن مثل هذا الدعم متاحاً لك في الوقت الحاضر لأي سبب من الأسباب فبإمكانك زيارة عيادة أو مركز متخصص والجلوس مع إحدى الأخصائيات النفسيات للحصول على الإرشاد النفسي المطلوب، والدعم اللازم في هذه المرحلة لمقاومة الحوار الداخلي السلبي والتفكير بطريقة أكثر واقعية لبناء مستقبل ناجح بإذن الله، فأنت مازلت في مقتبل العمر وكل فرص النجاح بانتظارك.
وفقك الله.
إضاءة
الفارق بين الناجح والفاشل أن الناجح يبحث عن الفرصة ليقتنصها، أما الفاشل فينتظر الفرصة حتى تطرق بابه ويظل يتذمر لأنها لا تفعل ذلك أبداً.
دكتوراه في الطب النفسي
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض
e - mail: mohd829@yahoo.com