في الوقت الذي كنت أقرأ تحقيقاً لإحدى الصحف البريطانية عن غرف الموت السرية التي أنشأتها الحكومات العراقية المتعاقبة من حكومة إياد علاوي إلى حكومة نوري المالكي مروراً بحكومة إبراهيم الجعفري، حيث أسهمت جميع تلك الحكومات في إقامتها وتعيين محققين وسجانين من وزارات الداخلية التي أشرف أول وزير داخلية باقر صولاغ على إنشاء مليشيات الموت وفرق القتل التابعة لوزارته. وبعد أن كشفت إحدى فرق التفتيش التابعة للقوات الأمريكية قبل توقيع الاتفاقية الأمنية المعتقلات الرهيبة لوزارة الداخلية في مقر الوزارة ومعتقلاتها في الجادرية وغيرها من الأماكن، حصرت الوزارات المختصة بالشؤون الأمنية كوزارة الداخلية ووزارة الأمن الداخلي المعتقلات في مواقع سرية مختارة إحداها في منطقة الكاظمية، ويشير تحقيق الصحف البريطانية إلى أن غرف الموت السرية في الكاظمية موجودة في مبنى المخابرات العراقية الذي أنشأه النظام السابق وفي إحدى قاعاته نفذ حكم الإعدام بالرئيس السابق.
الصحف البريطانية المصنفة كصحف تحارب الإرهاب وأنها تساند حملة إحلال الديمقراطية في العراق التي سعت الجيوش الأمريكية والبريطانية إشاعتها في هذا البلد، فأحضروا هذه (الديمقراطية) من وراء البحار وفرضوها بقوة السلاح ليشرب العراقيون ويرضعوا هذه الديمقراطية مع تفشي الكوليرا والطاعون، وأن تتعايش الديمقراطية مع الخوف والقتل اليومي الذي يسود العراق ولا يعلن عنه إلا إذا صاحبه تفجير لسيارة مفخخة أو انفجار لا يمكن إخفاؤه، أما القتل على الهوية الطائفية أو من أجل سلب مال.. أو لتصفية حزبية فهي مسلسلات يومية لا يعلن عنها، وفي الوقت الذي تقرأ كل هذا في الصحف البريطانية تطل عليك أكثر من محطة فضائية عربية ومنها محطات محترمة (...!!).. ومحطات عراقية وهي تبث إعلانات بمعدل خمسين إعلاناً أو أكثر في اليوم.. تتحدث عن ربيع الديمقراطية في العراق.. وأن العراقيين يعيشون في حب وأن براعم الديمقراطية أزهرت وأينعت.. إعلانات مدفوعة الثمن بملايين الدولارات تدفعها الحكومات العراقية التي تترك مياه الشرب تتلوث لتنتشر الكوليرا.. وتحول أموال شراء الأدوية لإعلانات المحطات الفضائية حتى يعم الطاعون المركّب.. الطاعون الذي يحصد العراقيين.. مثلما يحصد نظيره طاعون النفاق الإعلامي حقيقة ما يجري في العراق.
jaser@al-jazirah.com.sa