عندما كانت الجزيرة العربية منطقة طاردة للسكان لصعوبة العيش وقسوة الصحراء. لطالما ساهمت القبائل السامية المهاجرة من جزيرة العرب إلى الدول المجاورة في صناعة التاريخ وتسطير أخباره، بل وأسهمت في تغيير التركيبة السكانية والديموغرافية في العالم القديم.
تلك الهجرات المتتالية عبر العصور تختزن جزءاً لا يستهان به من تاريخ المنطقة، فمسيرة وسيرة القوافل، تحمل الكثير من المعلومات التاريخية والجغرافية، بل الأدبية والفلسفية والفلكلورية بشكل غني ووافر يعكس عراقة المنطقة وتوغلها في التاريخ.
بعد أن نشر مقالي (نجدي في أمريكا)، والذي يتطرق لسيرة أحد أفراد العقيلات (خليل الرواف) الذي غادر نجداً متنقلا بين البلدان إلى أن استقر به المقام في الولايات المتحدة، مشتبكاً مع جميع تفاصيل الحياة هناك ومطلعاً على العديد من التجارب وصولاً إلى تجربة التمثيل في أفلام هوليود، وجدت أن المقال لقي الكثير من الفضول والأسئلة، والرغبة في اقتناء الكتاب الذي يتناول سيرة الرواف التي تعكس تجربة العقيلات (وهي القوافل التي كانت تنطلق من أواسط نجد القرن الماضي وتجوب المناطق المجاورة) كمية الرسائل التي وصلتني تعكس تعطشاً معرفياً من القراء لتلك المرحلة وتلك الرحلات الغنية بالتجارب الإنسانية.
ومن ضمن الرسائل رسالة من د. مها الزبن التي تؤكد على أهمية تلك المرحلة، أيضاً رسالة من الأستاذ عبدالله العيسي، يبدي اهتمامه وحرصه على رصد وتوثيق تلك المرحلة، إما المهندس محمد الهطلاني فقد أرسل خطة عمل متكاملة عن الطريقة التي من الممكن أن تعالج بها تلك المرحلة على المستوى التوثيقي فقال: (سمعت كثيراً عن قصص مشابهة ولدي فكرة (قد تجد استحساناً) ألا وهي تأسيس جمعية أو (هيئة) أو منتدي (ملتقي) أو (مركز) يكون متخصصاً لتوثيق كل مايخص تلك الفتره (وما سبقها) وما تلاها من (مغامرات فردية - رحلات فردية) (قصص وتاريخ العقيلات) ويكون هذا المركر مخصصاً (كمرحلة - أولي) لجمع وتوثيق كل ما يخص هذه الوقائع و المغامرات والرحلات والقصص والأحداث وبالتالي توثيقها بكل مهنية واحترافية ليكون الهدف منها تثقيف المجتمع عموماً والأجيال الأصغر سناً عن الآباء والأجداد وعزيمتهم وبطولاتهم التي نبعت (ولازالت) من قوة الإيمان والاتكال على الله تعالي وشغف الاستكشاف.
واثني على طرح المهندس محمد الهطلاني، حول أهمية أن تكون هناك جهة محددة تتبنى هذا المشروع التاريخي التوثيقي الضخم، الذي من الممكن أن ينظم له منتدى سنوي دوري تنظم خلاله الندوات والفعاليات.. الفعاليات التي تلقي الضوء على تلك الرحلات وروحها البطولية, أيضاً أعتقد من المهم أن تدعم الجهات المختصة مشروع فيلم وثائقي عن تلك المرحلة، يقدم بحرفية ومهنية عالية، ويعرض ضمن برامج المنتدى.. وأعتقد أنه لابد من تضافر العديد من الجهات للقيام بهذا المشروع منها (وزارة السياحة - وزارة الثقافة والإعلام - الجامعات) لاسيما أن تلك المرحلة غنية بالفنون والآداب والفلكلور والتراث الشعبي, أذكر العام الماضي قدمت مدينة بريدة ضمن مهرجانها الترفيهي، مسيرة حية لقوافل العقيلات، وهي تخترق مدينة بريدة، أعتقد بأن مسيرة من هذا النوع من الممكن أن تكون بذرة لمشروع وطني كبير، يتم من خلاله رصد وتوثيق مرحلة غنية وثرية ومحتشدة بالأخبار والبطولات التي تعكس المنطقة وسكانها وجزء حيوي من تاريخهم.
