Al Jazirah NewsPaper Tuesday  07/04/2009 G Issue 13340
الثلاثاء 11 ربيع الثاني 1430   العدد  13340

دفق قلم
في شرورة كان القمر رفيقا
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

تظل الصور الذهنية التي ترتسم في أذهاننا للأشخاص والأماكن عن بعد، عرضة لزيادات الخيالات والتوقعات والتصورات الذهنية التي تضيف على الصور الحقيقية ما ليس منها، أو تنقصها بعض ملامحها، وحينما نشاهد الصور الحقيقية - بعد ذلك - يتضح لنا مدى بعد تلك الصور الذهنية أو قربها منها.

معرفتي بمحافظة شرورة التابعة لمنطقة نجران كمعرفتي من حيث المعلومات بكثير من مناطق ومحافظات بلادنا التي لم أحظ بزيارتها، أي أنها معرفة عامة يتدخل الذهن في رسم كثير من ملامحها، ولم تكن شرورة في تلك الصورة الذهنية إلا مدينة صغيرة تحاصرها رمال الربع الخالي، وتحيط بها إحاطة السوار بالمعصم، يعيش فيها عدد من الموظفين والعسكريين لا عن رغبة في العيش فيها، وإنما استجابة لداعي العمل الوظيفي، ولهذا فهي بعيدة عن أي نشاط اجتماعي أو ثقافي لافت للنظر.

فماذا حدث لهذه الصورة الذهنية بعد أن زرت شرورة؟

حينما ركبت الطائرة الصغيرة المتجهة إلى شرورة، تلك الطائرة التي يطلق عليها الناس اسم (الماسورة) لضيقها، بدأت أول ملامح الصورة الحقيقية لشرورة، حيث تحدث إليَّ عدد غير قليل من ركاب الطائرة الشباب عن سعادتهم بزيارتي الأدبية الثقافية التي أعلن عنها منذ أسبوع، كما عبروا لي عن سعادتهم بمن يلتقون بهم من المشايخ والدعاة والأدباء والمدرسين الذين يأتون إلى شرورة بدعوة من مؤسسة التنمية الاجتماعية الأهلية ذات النشاط المتواصل، ولمست من أولئك الشباب حباً كبيراً لهذه المحافظة، واستئناساً واضحاً بالحياة فيها، وهم موظفون في جهات متعددة.

في تمام السابعة والنصف صباحاً هبطت الطائرة في مطار شرورة فكان النسيم العليل والهواء البارد الذي صاغته الغيوم هما أول من استقبلنا حينما خرجنا من الطائرة، ثم كانت دماثة الخلق هي المستقبل الآخر، وهنا بدأت تتوارى بعض ملامح تلك الصورة الذهنية التي تدخل الخيال في صياغتها، أمام صورة حقيقية لشرورة تثير الإعجاب.

شرورة مدينة هادئة جميلة بأهلها، وبمظاهر التطور في مرافقها وبتشوقها إلى كل نشاط علمي وأدبي وثقافي أصيل.

وكان اللقاء الأول بثلة مباركة من مسؤولي مركز التنمية الاجتماعية والقضاة والمعلمين والعسكريين في مقر الجمعية على مائدة الغداء.

ودعوني أتوقف قليلاً عند مبنى مؤسسة التنمية الاجتماعية الأهلية في شرورة فإنه يستحق أن يوصف لكم، فهو أول مبنى لهذا النوع من المؤسسات يخرج عن الشكل التقليدي المتعارف عليه إلى شكل جمالي بديع، فقد أصرَّ فاعل الخير المتبرِّع به أن يجعله واحة جميلة تريح نفوس العاملين فيه، فقد صممه على هيئة كوخ جميل يستقبل الداخل إليه بشلال مائي رائع استطاع بما ينشره من رذاذ مائه، وبما يعزفه من خريره البديع أن يشعرنا بأننا في واحة جميلة، ولسنا في مكاتب مؤسسة تشرف على أعمال خيرية ودعوية وثقافية ورياضية تثير الإعجاب.

أما المطر فقد أحسن -بحمد الله- استقبالنا، بتلك الأشذاء العطرة التي تنشأ من العناق الحميم بين قطرات الماء وذرات التراب والرمال، وبتلك البرودة الدافئة أو الدفء البارد الذي يعجز القلم عن رسم صورة واضحة له.

وحينما كانت الامسية بعد العشاء كان الحضور المتميز الذي أكمل جزءاً مهماً من أجزاء صورة (شرورة) الحقيقية.

أما تلك الجلسة المسائية البرِّية بعد الأمسية فهي التي أكملت الصورة البديعة ولوَّنتها بأجمل الألوان.

لقد استطعنا أن نتخاطب مع القمر في ليلته العاشرة من الشهر ومع النجوم، ومع الصفاء، ومع رائحة المطر، ومع إخوة كرام شاركتهم ذلك المساء، أجمل تخاطب وأبدعه.

شرورة محافظة جميلة تستحق أن يلتفت إليها الدُّعاة والمثقفون، إنها فاتنة تحنو عليها رمال الربع الخالي حُنوَّ الأمهات على أولادهن، فتحيةً لها ولأهلها المتكاتفين على الخير.

إشارة:

هكذا الغيم يا شرورةُ يحيي

بهجة الرمل يملأ الكون سحرا


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد