يتعين على صندوق النقد الدولي أن يعمل كمحطة أساسية للأسواق الناشئة والبلدان النامية المحتاجة إلى التمويل. ومع قدرته على تعبئة الموارد المالية الضخمة ودعم مصداقيته في تخطيط السياسات، فإن صندوق النقد الدولي يستطيع المساعدة في التخفيف من التكاليف الاقتصادية والاجتماعية الضخمة التي تصاحب الأزمات عادة. وعلى هذه الخلفية فقد بادر العالم إلى توحيد الجهود في خِضَم الأزمة في محاولة للإصلاح الشامل لإطار عمل الإقراض لدى صندوق النقد الدولي.
إن العالم يحتاج إلى صندوق النقد الدولي الآن وفي المستقبل حتى يتمكن من الاستجابة بمرونة وفعالية لاحتياجات البلدان المشتركة بعضويته. وفي المقام الأول من الأهمية، لا بد وأن تكون حِزَم التمويل التي يعرضها الصندوق ضخمة إلى الحد الكافي نسبة إلى حجم المشكلة حتى يتسنى لها أن تؤدي الغرض المطلوب منها. فضلاً عن ذلك فإن عدم وجود مرفق تأميني تابع لصندوق النقد الدولي يقدم شروطاً مقبولة كان يشكل فجوة كبرى في البنية المالية العالمية، وخاصة بالنسبة لاقتصاد الأسواق الناشئة الأكثر ديناميكية ونشاطاً. وهذا على الرغم من كل الأدلة التي تشير إلى قيمة التقييم المبكر لعمليات التمويل التي يتولاها صندوق النقد الدولي، وقبل أن يتدهور الموقف الصعب إلى أزمة طاحنة.
فضلاً عن ذلك، وعلى الرغم من أهمية إلحاق شروط خاصة بالتخطيط للبرامج التي يتولى صندوق النقد الدولي دعمها، فلابد أن تركز هذه الشروط بصورة عادلة على حل المشكلات الحرجة التي يواجهها أي بلد، وهذا يعني أن هذه الشروط سوف تكون وثيقة الصلة بتحقيق الهدف من الدعم ولن تكون تطفلية.
وبالدعم الذي توفره لنا البلدان الأعضاء نعمل على تطبيق إصلاحات مهمة على سياسات الإقراض التي نتبناها، وهذا من شأنه أن يشجع البلدان على التوجه إلى صندوق النقد الدولي في وقت مبكر، وقبل أن تشتد حدة الأزمة وتصبح مستعصية على الحل. ويشتمل الإصلاح على ثلاثة عناصر أساسية:
أولاً : سوف تكون الشروط التخطيطية المرتبطة بعمليات الإقراض التي سيتولاها صندوق النقد الدولي في المستقبل أفضل تفصيلاً بحيث تتناسب مع ظروف كل بلد. كما سيعمل الصندوق على إنشاء خط ائتمان جديد مرن لجعل عمليات التمويل الضخمة متاحة - حتى قبل أن تضرب الأزمة - وبدون أي شروط مسبقة بالنسبة للبلدان المؤهلة التي تتمتع بأسس اقتصادية قوية وأطر تخطيطية سليمة. ولقد أطلق بعض المراقبين على هذا المرفق الجديد (مرفق القروض السهلة)، على الرغم من أن القليل من الدول التي تتوافر فيها المعايير المؤهلة سوف تنظر إلى منجزاتها التخطيطية - والتزامها بالحفاظ على سجل طيب - باعتبارها أمراً سهلاً. وبالنسبة لبلدان أخرى فإن الشروط سوف تركز بصورة أكثر إحكاماً على المناطق الأساسية، أما الشروط (البنيوية) التي تتطلب تدابير تشريعية يصعب توقيتها فلسوف يتم الحكم عليها بأسلوب أقل تقيداً بالشكليات.
ثانياً : بالنسبة للبلدان غير المؤهلة للأداة الجديدة، فإن الترتيبات الاحتياطية سوف تكون أكثر مرونة على أكثر من جانب. وهذا يشتمل على السماح لهذه البلدان بالحصول على التمويل حتى قبل أن تشتد الأزمة، والسماح بتخصيص الأموال على نحو أكثر مباشرة.
ثالثاً : يعمل الصندوق الآن على زيادة حجم القروض المتاحة إلى درجة كبيرة، حيث قرر مضاعفة الحدود الطبيعية للحصول على موارد الصندوق - وهو التطور الذي يتفق مع الإجماع المتنامي على ضرورة مضاعفة قدرة الإقراض لدى الصندوق على الأقل نظراً لشدة الأزمة. وهذا أمر بالغ الأهمية، فلا شيء أكثر إضعافاً لمصداقية أي حزمة تخطيطية من التمويل غير الكافي.
وباتخاذ هذه الخطوات على نحو متزامن فإن هذا من شأنه أن يمكنها من معالجة المشكلات الجوهرية - الوصمة المرتبطة بالشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي في الماضي، ومدى إتاحة التمويل في وقت مبكر قبل الأزمة، والحجم الإجمالي لحِزَم الإنقاذ - التي كانت في بعض الأحيان سبباً في تراجع فعالية دور الصندوق باعتباره ملاذ للإقراض في الأزمات. وعلى هذا فإن الأسواق الناشئة التي تتقدم إلى الصندوق لطلب التمويل في مرحلة مبكرة قبل الأزمة سوف تجد لنفسها ملاذاً من الرياح العاصفة الناتجة عن حل الروافع المالية على مستوى العالم، وهو ما من شأنه بالتالي أن يساعد في احتواء انتشار الأزمة.
لقد تحرك صندوق النقد الدولي بسرعة لمساعدة العديد من البلدان الأعضاء في هذا الوقت من الأزمة، بما في ذلك حماية الإنفاق الاجتماعي من أجل تخفيف تأثير هذه الأزمة على البلدان الأكثر ضعفاً.
والحقيقة أن الإصلاحات التي تم تبنيها هذا الأسبوع من شأنها أن تمكننا من التحلي بقدر أعظم من المرونة وسرعة الاستجابة في مساعدة المزيد من البلدان.
وفي الوقت نفسه فإن هذه الإصلاحات مجرد جزء من خطة أكبر لتجديد صندوق النقد الدولي. فما زال هناك عدد من المبادرات الرامية إلى زيادة مستويات الإقراض العَرَضي للبلدان ذات الدخول المتدنية التي ضربتها الأزمة، وتعزيز القدرات الإشرافية للصندوق فضلاً عن القدرة على الإنذار المبكرة، وتحسين البنية الحاكمة للصندوق على النحو الذي يجعله قادراً على إدراك الدور الضخم الذي باتت الأسواق الناشئة تلعبه في الاقتصاد العالمي.
وإنني لأتمنى أن يتمكن الصندوق من اتخاذ المزيد من الخطوات في كل هذه المجالات في غضون الأشهر المقبلة. إذ إن هذه الخطوات سوف تشكل مجتمعة نقطة تحول في طريقة عمل صندوق النقد الدولي، ومن شأنها أيضاً أن تسمح له بخدمة أعضائه على مستوى العالم على نحو أفضل.
دومينيك شتراوس كان
المدير الإداري لصندوق النقد الدولي
خاص بالجزيرة