الذي يعرف المسرحي البرازيلي أوجستو بول رائد مسرح المقهورين يعرف جيداً أنه لا يعني بمصطلح (القهر) الثورة ولا الاندفاع ولا الاحتجاج ولا الاعتراض، وإنما يعني به رفع مستوى الشرائح الاجتماعية المضغوط عليها كنوع من أنوع (الاستبصار) بمشكلاتهم وبوضعهم الاجتماعي حتى يتطوروا للأفضل.
لهذا فمسرح المقهورين يعمل في منطقة الفقراء, والعاطلين, والمشردين، والفلاحين, والموظفين الصغار, واللقطاء, وذوي الدخل المحدود, والأحياء الفقيرة.. والأسر التي تعاني من الضغوط والاضطهاد... إلخ.
وعند النظر في هذه المناطق لا نرى أي صفة (حزبية أو طائفية أو قبائلية) لهذا النوع من المسرح فهو أبعد من كونه مسرحاً حزبياً أو طائفاً أو قبائلياً, فلو كان كذلك لانتفت صفة (القهر) لأن الخلافات الحزبية خلافات من نوع آخر تعمل لصالح (تكتل) على حساب (تكتل) آخر, فيما مسرح أوجستو بول يعمل من أجل الكل، من أجل الإنسان أياً كان صفته وشكله ولونه.. وعندما يركز أوجستو بول على الشرائح المهمشة في المجتمع, فإنه يعني بذلك السعي باتجاه نمو المجتمعات البشرية (وأنسنتها) بعيداً عن أي تصنيف معين, فهو (ينشغل) بإصلاح معادلة القاهر والمقهور باتجاه الحب والسلام بعيداً عن أي أعمال تحريضية.
ويخلص أوجستو بول قائلاً: لقد ملّ الناس النصح.. إنهم يريدون أن يسمعونا أصواتهم، فمسرح المقهورين نوع من التفكير المشترك, أو طريقة لبث الحيوية في المشاهدين، بدلاً من مجرد تقديم عرض لهم, ويضيف: فعلى عكس المسرح السياسي التقليدي في عقد الستينيات، والذي كان يخبر الناس بما يجب عليهم فعله، نحن هنا نسأل الناس: ماذا يريدون؟.. ويقول أيضاً: (إن البعض يصنع للناس مسرحاً، بينما نحن هنا جميعاً مسرح).
ونلحظ أن أوحستو بول يشير إلى (الناس) بصفة عامة وليس إلى (تكتل) معين, ويشير إلى (جميعاً) وليس إلى (بعض) محددة أوصافه, مؤكداً أن مسرح المقهورين يأتي خدمة للتنمية البشرية ليكونوا أكثر قدرة على خدمة أنفسهم ومجتمعاتهم وأوطانهم, بل تطور مسرح المقهورين في بعض مناهجه إلى تقديم ورش عمل في العلاج النفسي بالتعاون مع المتخصصين في علم النفس وعلم المجتمع والخدمة الاجتماعية.
وتأتي أنماط مسرح المقهورين, مثل: مسرح المنتدى, ومسرح الممثل - المشاهد: مغيرة بذلك من شكل المسرح التقليدي, وذلك حينما لا يفصل العرض بين الممثلين والجمهور وإنما يربطهما ببعض ربطاً مباشراً, حيث يحق للجمهور التعديل في النص، ويحق لهم التمثيل على خشبة المسرح، ويحق لهم مناقشة, كل ذلك يتم بتقنية (الحوار) التي تعد جوهر مسرح المقهورين سعياً لخلق حالة من (الوعي النقدي) لدى الفئات المهمشة وتبصيراً بحالهم وتطويراً لأوضاعهم بشكل حضاري وبطريقة إنسانية.
وقد وفقت الهيئة الدولية للمسرح ITI عندما رشحت أوجستو بول لكتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح لهذا العام 2009م بوصفه رائداً لمسرح المقهورين ونظراً لجهوده في المسرح منذ أول مسرحية كتبها في الخمسينات الميلادية وحتى الآن, وأحسنت جمعية الثقافة والفنون صنعاً عندما نظمت احتفاليات رائعة مساء الجمعية الماضية بمناسبة اليوم العالمي للمسرح (27 مارس) وتطرقت إلى مسرح المقهورين تبياناً لمصطلح المقهورين وتوضيحاً له في الرياض وفي فروع: جدة والدمام والأحساء وعدد من مناطق المملكة.
Ra99ja@yahoo.com