مسحة الجمال الشتوي تزين وجه الرياض، وفي الأسابيع الماضية كان ثمة ما يشي بتعفرها، كلما داهمها الغبار اختنق الصغار فيها والكبار، لم تكن الرياض في مزاجها الصحراوي المنبسط؛ إذ لم تكن تفضي لمحبيها عن مكنونها، حتى بات محبها يستلهم قيظها لتعرق فتغتسل بمائها، أو يداهمها الربيع فتنتشي بخزامها، أو حتى صيفها يغسلها بأمطاره.. بالأمس الأول غازلتها السحب قليلا، فمدت رأسها تطل من خلف أقنعة الغبار، كأنني بها تسأل في وجل، أحان وقت الانطلاق من إسار الغلاف الأحمر وهو يلفها فيخنق بريق عينيها الجميلتين وهي تنوف في وهج البناء، وتتباهى في حركية العمار..؟ لكنها ربما مثلي ومثل كل المحبين لها تغرس أسئلتها في خاصرة الطوق الذي كمنت في إساره طيلة الأيام التي مضت، وتناقلت أيدي الصاعدين على أقدامهم في أفنية المدارس وريقات تتردد جملها بين أن تأتوا للمدارس أو لا تفعلوا في غد لم نكن ندري كيف ستخرج فيه سماء الرياض من ليلها؟ ثمة من لا يتحمل قبضة الرئة ولا وخزة الصدر..
البارحة صافحت الرياض عيون محبيها بوجهها المغسول من تجهمه، ألقت عن ظهرها عبء الأسئلة وتجللت بالصفاء.. لفها برد الشتاء في غير موسمه، واعتمرت نسائمها عذوبة المطر.. هناك ثمة طرق لرعد سمائها في أذني، ويحلو لي أن تداعب وريقاتي التي حولي نسائمها الباردة وأنا أسجل بحروف بهجتها انعتاقها من الغبار.. الرياض الآن تمنحنا شهد جمالها، تسكبه في جو شتوي ممطر بارد فاتن.. وتداعبنا برذاذ سحبها.. هي هذه التي نحب.