Al Jazirah NewsPaper Saturday  04/04/2009 G Issue 13337
السبت 08 ربيع الثاني 1430   العدد  13337
شعار هيئة السوق المالية
فضل بن سعد البوعينين

 

مع بداية الأزمة الاقتصادية العالمية، وتداعياتها الحادة على سوق الأسهم، كنا نبحث عن هيئة السوق المالية، ونحاول جاهدين تقصي أخبارها أو الإنصات إلى ما سيصدر عنها حيال السوق وما تعرضت له من هجوم كاسح دفع بها إلى مشارف السقوط الأخير؛ ...

... فباءت محاولاتنا بالفشل بعد أن التزمت الهيئة الصمت، وآوت إلى ركن هادئ لِيَحميَها من بُكائيات المتداولين!. كنا، وما زلنا نجزم بأن دور الهيئة رقابي صرف، ويرتكز على تحقيق عدالة التداول وتطبيق الأنظمة وترسيخ مبدأ الشفافية، إلا أن ذلك لا يعني أنها غير مسؤولة عن حماية السوق من هجمات المخربين ممن يستغلون الأحداث العالمية لضرب السوق المحلية من الداخل!. دور الهيئة في السوق كراعي الغنم المؤتمن على غُنيمات صاحبه التاجر؛ فهو لا يملك حق بيعها، أو التدخل في أثمانها السوقية، إلا أنه مسؤول عن حمايتها من الذئاب الجائعة، وخطط المحتالين ممن يبخسون الناس أشياءهم.

التزمت الهيئة الصمت، وتمسكت ب(فيتو) المراقبة، ولم تبذل جهداً في التنسيق مع الجهات ذات العلاقة بالشأن المالي، النقدي، والاقتصادي لوضع خطة طوارئ لمواجهة تداعيات الأزمة. يبدو أن الهيئة كانت مشغولة بأمور ربما اعتقد البعض أنها هامشية، وهي ليست كذلك من وجهة نظر مجلس إدارتها الموقر. (شعار الهيئة) المُجَدد ربما شغل الهيئة الأشهر الماضية عن مسؤولياتها المباشرة تجاه السوق والمتداولين. الاحتفائية الإعلامية بالشعار الجديد، ومشاركة وكالة الأنباء السعودية فيه، تعكسان حجم أهمية المشروع بالنسبة للهيئة، وللصحف التي تلقفت الخبر بتجرد، كتجرد الشعار نفسه، دون أن تتناوله من زوايا ربما كانت أكثر أهمية، وحرفية من شرح مضامينه المنقولة التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

أعتقد أن شعار الهيئة الجديد لا يعكس هويتها الرقابية والمالية، ومن شاهد الشعار بمعزلٍ عن الاسم لا أخَاَلَهُ يعتقد أن الشعار على علاقة بهيئة تُعنَى بسوق المال؛ فهو أقرب إلى المكاتب الهندسية منه إلى الهيئات المالية، إلا إذا ما نُظر إليه من خلال رأسي الحربتين المتعاكستين، وفي هذه الحالة ربما اختزل المصمم أدوار الهيئة المتعددة في جزء من الدور الواحد.

أعتقد أن معاني الشعار، التي لم تتضح إلا من خلال البيان الصحفي، ربما تكون بعيدة عن الهوية الحقيقية المراد إيصالها، إلا إذا كان بيان الهيئة الصحفي يتحدث عن شعار آخر غير الذي نشرته الصحف. الهوية الجديدة للشعار ربما تمتعت بالبساطة لاعتمادها على القص واللزق، لا التصميم الفني الاحترافي، إلا أنها لا يمكن أن تُشير إلى الدقة والوضوح.

لا يمكن لمن شاهد الشعار أن يخرج منه بتصور واضح، بل لا يمكنه أصلاً تحديد نوعيته، فهو من الشعارات التي يمكن أن يُنظر لها من أوجه مختلفة، ومربكة في الوقت نفسه، وهذا بخلاف الشفافية التي يُفترض أن تعكسها هوية الشعار. أما العدالة، ففيها من النظر الكثير، على أساس أن العدالة لا يُرمز لها بالمثلثات غير متطابقة الأضلاع، إلا أن يكون القصد تطابق المثلثات الأربعة، بأضلاعها غير المتساوية، وحينها ينبغي الحديث عن العدالة الكلية على حساب العدالة الجزئية التي تتمثل في الأضلاع الثلاثة لكل مثلث على حدة!. بحثت أيضا عن الكفاءة فلم أجدها في هوية الشعار الذي يفترض أن (يعكس طبيعة الرسالة المنوطة بالهيئة)؛ لذا أخشى أن يكون الشعار الجديد معاكساً لصفة الكفاءة، أو منتقصاً لها في أفضل الحالات. حقيقة لم أجد علاقة بين اللونين (الأزرق والفضي المعدني) وبين (الموضوعية في أوساط الصناعة المالية)!، ومن التجارب الماضية أجد أن بعض الألوان، ليس من بينها الأزرق والفضي، قد ارتبطت بالصناعة المالية، على مستوى المصارف، والعملات النقدية القوية، إلا أنه لا يمكن القول أيضا بموضوعية الارتباط بقدر ما هو علاقة باللون المُفضل لا أكثر ولا أقل. أما تعبير الشعار عن (الاستقرار والطمأنينة) فهو مخالف لواقع الشعار، فرأس الحربة السفلى من الشعار لا يوحي بالطمأنينة على أساس أنه مصدر تهديد لا حماية، بعكس رأس الحربة الأمامي، إضافة إلى أن الزوايا الحادة لا تُعبر في الأشكال الفنية عن الاستقرار بغض النظر عن الشكل الكلي للشعار، وإذا ما ارتبطت الزوايا الحادة برؤوس الأسلحة اليدوية التي لا تستخدم إلا في الحروب، فالإيحاء يرتبط بالاضطراب لا الاستقرار.

على العموم البيان الصحفي أرشدنا إلى أن ننظر إلى الشعار بالطريقة التي ينبغي أن نرى فيها الهيئة وفق رؤيتهم الخاصة لا وفق ما تعكسه هوية الشعار، وهو أمر يخالف الواقعية التي تفرض علينا أن ننظر إلى الأشياء وفق هيئتها الحقيقية لا الإيحائية. أعتقد أن شعار الهيئة القديم المُزين بالنخلة ربما كان أكثر تعبيراً عن هويتها من الشعار الجديد. فالنخلة يمكن أن ترمز بدقة إلى البساطة، الثبات، النمو، الاستقرار، والطمأنينة. وترمز أيضا إلى الشفافية؛ فهي لا تخفي شيئاً البتة، بل حتى جذورها تبدو، في أحيان كثيرة، خارج آل أرض. كما أنها ترمز إلى النماء، وهو ما يبحث عنه المستثمرون، بعكس الشعار الجديد الذي يشبه، في بعض صوره التخيلية، حجر النرد الذي يرمز إلى الحظ، والذي يُدمِنه المُقامرون.

مهما قلنا عن الشعار الجديد فهو لا يخرج عن الفكرة التخيلية التي قد تختلف بحسب الثقافة والرؤية الفنية، إلا أن ذلك لا ينفي حق الهيئة في تحديث شعارها الرسمي، وترجمة معانيه كما تُحب، أو كما يَعتقد المصمم، تيمناً مع حاجات العصر ومتطلبات المرحلة الجديدة، وكل ما نتمناه أن تنعكس متطلبات المرحلة الجديدة على مجلس إدارة الهيئة الذي ربما كان أكثر حاجة للتطوير من الشعار نفسه.

****



f.albuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد