الجزيرة- عبدالله البراك
تنفست أسواق المال الصعداء الخميس الماضي عندما أنهى زعماء العالم خطوة جديدة في طريق التصدي لأعمق تراجع اقتصادي منذ الكساد العظيم. وخرجت قمة العشرين التي اختتمت في لندن الخميس بخطة قيمتها تريليون دولار للخروج من نفق الأزمة المالية العالمية ساهمت كثيراً بتحسن مؤشرات الأسواق العالمية، وجاء رد فعلها إيجابياً فارتفع مؤشر كبرى الشركات الأوروبية بنسبة خمسة بالمئة بعد ارتفاع مؤشر نيكي الياباني بنسبة 4.4 بالمئة، وفي وول ستريت ارتفع مؤشر ناسداك المجمع بنسبة أربعة بالمئة وصعد داو جونز الصناعي بنسبة 3.6 بالمئة.
واعتبر جوردون براون رئيس الوزراء البريطاني الذي يستضيف القمة أن الخميس يوم اتفق فيه العالم على التصدي للكساد العالمي ليس بالكلمات بل بخطة للانعاش العالمي والإصلاح وبجدول زمني واضح.. وقال براون: إنه رغم عدم وجود (حلول سريعة) إلا أن القرارات تعني أننا يمكننا تقصير أمد الكساد والحفاظ على الوظائف.
وكان الزعماء قد اتفقوا في ختام قمة لندن على توجيه موارد جديدة تبلغ قيمتها تريليون دولار للاقتصاد العالمي عن طريق صندوق النقد الدولي ومؤسسات أخرى.
ويشمل ذلك 250 مليار دولار من حقوق سحب خاصة لصندوق النقد الدولي، إضافة إلى ذلك سيشهد صندوق النقد الدولي زيادة موارده إلى ثلاثة أمثالها بضخ 500 مليار دولار من الأموال الجديدة. واتفقت مجموعة العشرين كذلك على خطة لتمويل التجارة بقيمة 250 مليار دولار على مدى عامين لدعم تدفقات التجارة العالمية.
الدولار خارج طاولة القمة
إلى ذلك أثارت مطالب صينية وروسية بايجاد عملة عالمية جديدة قبيل انعقاد قمة العشرين حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن دعتا إلى إدراج الطلب ضمن جدول أعمال قمة العشرين. ودافع الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن عملته معتبراً أنها العملة الأقوى في العالم، وعزى ذلك إلى الثقة في التوقعات للاقتصاد الأمريكي، موضحاً أن (السبب في أن الدولار قوي حالياً هو أن المستثمرين يعتبرون الولايات المتحدة أقوى اقتصاد في العالم وصاحبة أكثر نظام سياسي استقراراً في العالم).
وحول المطالب الصينية الروسية قال الدكتور عبدالرحمن السلطان أستاذ الاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود: إن حقوق السحب الخاصة عبارة عن سلة من العملات الدولية، فسعر وحدة السحب مرتبط بأسعار العملات فإذا تم الموافقة على إضافة اليوان الصيني أو الروبل الروسي فهذا يساعدهم على قبول عملاتهم تجارياً على المستوى العالمي ولكن اليوان الصيني مربوط بالدولار فهو يحتاج أن يكون عملة معومة قبل أن تطالب بهذا المطلب، أما عن روسيا فيعتقد السلطان أن واقعها الاقتصادي لا يؤهلها للمطالبة فاقتصادها لايصل لإضافة العملة الروسية إلى العملات الرئيسية، وقال السلطان: إن الصينيين بحكم ضخامة استثماراتهم بسندات الخزانة الأمريكية قلقين من انهيار سعر صرف الدولار بسبب توجه الحكومة الأمريكية إلى الإنفاق عن طريق خطط الإنقاذ وطباعة النقود غير المحدودة فالمحصلة النهائية المتوقعة هي انهيار سعر صرف الدولار فيضر بالدول المالكة لسندات الخزينة الأمريكية فالمطالبة الصينية تهدف إلى التخفيض من المخاطرة ببقاء الدولار كعملية عالمية وحيدة، فالاختلاف الأوروبي الأمريكي يهدف إلى تعديل النظام المالي العالمي ويخفف من قدرة الولايات المتحدة من طباعة الدولار دون أن يكون لها تأثير على معدلات الفائدة والتضخم في الولايات المتحدة وعند موافقة الولايات المتحدة على التعديل فإنها ستحد من طباعة الدولار.. وأضاف: إن المنطق يفترض أن يكون هناك تغيير للنظام المالي العالمي فوضع الدولار المستقبلي مشكوك فيه وفي النهاية سينهار سعر صرف الدولار، ولكن لا أحد يملك تصوراً مستقبلياً واضحاً في الوقت الحالي. أما الدكتور حمد التويجري أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك سعود، قال: إن مطالب موسكو وبكين تأتي في سياق حفظ الحقوق، فالدول عندما تحتفظ بإحتياطياتها بالدولار والولايات المتحدة مستمرة بطباعة الدولارات لمعالجة المشاكل الاقتصادية داخل الولايات الأمريكية مثل أزمة البنوك والسيارات، وأضاف: إن الاستمرار بطباعة الدولار سيفقد قيمتة بسبب زيادة العرض من الدولارت فالصين تسعى للحفاظ على قيمة احتياطياتها ولذلك فهي عند مطالباتها بإيجاد عملة أخرى أو حقوق السحب الخاصة وهذا عامل رئيسي في مطالبها، إضافة إلى عوامل أخرى مثل تخفيض الهيمنة الأمريكية على صندوق النقد الدولي.
وحول انتهاج سياسة الدولار الضعيف من قبل الولايات المتحدة، قال السلطان: إنها أمر ضروري فحاجة الاقتصاد الأمريكي تفرض هذه السياسة لتخفيض أسعار صادراتها كما أن هناك نقطة ثانية وهي أن قانون العرض والطلب يفرض انخفاض سعر الدولار، فعملية الطباعة الكثيفة للدولار تحتم انهيار سعر صرفه.
بدوره اعتبر الدكتور التويجري أن الصين تبحث عن مصلحتها فبقاء الدولار ضعيفاً يضر بمصالحها وأنها تهدف إلى الضغط على الولايات المتحدة للكف عن طباعة الدولارات بهذا الشكل المكثف لإضرارها بالدول التي تحتفظ باحتياطيات من الدولار.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك سعود أنه لا يتوقع أن توافق الولايات المتحدة الأمريكية على إعادة هيكلة النظام المالي ولكن قد توافق على زيادة حصة الدول الأخرى في الصندوق الدولي وما يتبع ذلك من حقوق التصويت وما إلى ذلك، وأضاف: إن الولايات المتحدة استفادت من صندوق النقد والبنك الدولي كقوة اقتصادية وقوة سياسية وبالتالي لن تفرط بهذه القوة، ولكنها الآن محتاجة إلى تكاتف الدول الأخرى وهي أضعف من السابق ومع استمرار المطالبة من قبل هذه الدول، فالولايات المتحدة قد تتنازل، وتابع: (لكن لا أتوقع تنازلات قوية وأعتقد أن تستمر الهيمنة الأمريكية على الصندوق وجميع المنظمات الأخرى). وقال: يحق لكل دولة أن تطالب وأعتقد من حق الصين المشروع أن تطالب بأن تناطح عملتها العملات الرئيسية الأخرى، فالاقتصاد الصيني قوي وعملاق ولكن القضية في الصين رفضها أن تفك ربط عملتها أمام الدولار وبالتالي من الصعب أن نطالب بإدخال عملة واعتمادها دون الوثوق بها وأن هذا الإجراء سيكون فيه مساومات ولكن لا نقارن الاقتصاد الصيني بالاقتصاد الروسي المنهك.
وفي نفس السياق قال أستاذ الاقتصاد في جامعة الإمام الدكتور عبدالرحمن السلطان: إنه من الصعب إعادة صياغة النظام المالي العالمي في اجتماع يستغرق سبع ساعات في قمة العشرين، فاتفاقية بريتون وودز استغرقت أكثر من عشرين يوماً وأكثر من 730 مندوباً من قبل 44 دولة ولكن هذا اجتماع أعتقد أنه للاتفاق على المبادئ ويقر فيه عدم اللجوء إلى الإجراءات الحماية، ولكن الحصيلة النهائية منه هذه الإجراءات لجوء أغلب الدول إلى التحايل على إجراءات الحماية فبعض الدول لجأت إلى إجراءات حمائية وصلت إلى 47 إجراءً بالرغم من الاجتماع السابق نص على الحد من الإجراءات الحمائية.
وحول دور الصندوق الدولي قال السلطان: إنه لدعم ميزان المدفوعات بالدول النامية والفقيرة وما تطالب به بعض الدول من إعادة دعم وتطوير دور الصندوق في وضع التشريعات والمراقبة وهذا يحتاج تنازلاً من قبل الهيمنة الأمريكية.
وحسب آراء الاقتصاديين وخصوصاً الصينيون ومنهم جو جياوتشوان وأعضاء المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني أن العملة الأمريكية باتت تشكل قلقاً كبيراً لدول تعتمدها في مبادلاتها التجارية أو تربط ملاءة عملتها بها بعد أن تلاشى التقييم بالذهب.