إعداد: عبدالله الحصان
مبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي في الخارج حدث الساعة الذي تتمحور حوله أحاديث أوساط المستثمرين في القطاع والذين رأوا في المبادرة طاقة نور كبيرة أتيحت لهم في أفق استثمار لقيت فيه أكثر من تجربة حتفها في غياب الحصانة والحضانة اللازمة للاستثمار الزراعي عالي المخاطر، تلك الحصانة التي يتحسسون الآن دروعها القوية بعد مبادرة المليك التي منحت هؤلاء الأمان اللازم لبقاء استثماراتهم في الخارج على قيد الحياة، كما فتحت الميدان على مصراعيه لمن هم خارج الدائرة لاغتنام فرصة المبادرة وخوض التجربة والذي يساهم في ترسيخ دعائم الأمن الغذائي للمملكة بمفهومه الواسع.
ندوة (الجزيرة) تمحورت حول: آفاق المبادرة كرؤية إستراتيجية للقطاع الزراعي، وآليات تنفيذها ثم كيفية تجنب المعوقات التي قد تعترض طريقها.
رؤية إستراتيجية
بدأ اللقاء بسؤال الدكتور عبدالله العبيد وكيل وزارة الزراعة لشؤون الأبحاث والتنمية الزراعية.
* فهد العجلان: دكتور عبدالله مبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي في الخارج ستساهم في اتساع دائرة الحيز الجغرافي لعمليات شركات القطاع الخاص المحلي وتأتي استكمالا لتحقيق منظومة الأمن الغذائي الوطني بمفهومه الواسع فهل تحدثنا حول آفاق هذه المبادرة؟
- د. عبدالله العبيد: القطاع الزراعي، يحظى باهتمام الدولة منذ عهد المؤسس الملك عبدا لعزيز يرحمه الله، وتواصل هذا الاهتمام من بعده لأبنائه البررة حتى وقتنا الحاضر إيماناً من دولتنا الكريمة بأهمية هذا القطاع في السمة الاقتصادية الشاملة. وأشكر لصحيفة (الجزيرة) حسن اختيارها لهذا الموضوع الحيوي الهام ألا وهو مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للاستثمار في الخارج؛ من أجل تأمين احتياجات المملكة من السلع الزراعية الأساسية.
التحولات التي حدثت في القطاع الزراعي ما من شك أن لها تأثيرات أخرى جانبية على هذا القطاع وتزامن ذلك مع بروز أزمة ارتفاع أسعار السلع الغذائية في العام الماضي، وارتفاع السلع الأساسية على المواطنين، ما جعل الدولة تتحرك كعادتها للتفاعل مع مثل هذه القضايا وأصدرت العديد من القرارات والإجراءات والترتيبات التي شعر بها المواطن والمقيم. وعجل من ذلك الظروف العالمية التي ترتب عليها اختلاف الأسواق، والتأثر في جوانب العرض والطلب في السلع الزراعية، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.
يواصل العبيد: هذه المبادرة تمثل نظرة ثاقبة لأهمية استغلال الموارد المالية الموجودة في المملكة والخبرة المتراكمة لدى القطاع الخاص الذي حظي باهتمام الدولة خلال الأربعة العقود الماضية واكتسب خبرة جميلة وجيدة، ومفخرة حقيقة في مجال القطاع الزراعي، ما جعل القيادات تطمئن إلى الاستفادة من هذه الخبرات خارجياً.
ومبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الخارجي تتضمن العديد من المبادئ:
المبدأ الأول: اختيار الدول المناسبة ذات الإمكانات الموردية الجيدة ذات الأنظمة الاستثمارية الجاذبة ذات العلاقات المتميزة مع المملكة، ذات المسافة القريبة للمملكة حتى لا يؤثر ذلك في تكاليف النقل.
المبدأ الثاني: أن القطاع الخاص هو المستثمر الأساسي في الدول الخارجية، فالدولة لن تقوم بالاستثمار بنفسها وإنما من خلال القطاع الخاص، لكن الدولة تعهدت بدعم هذا القطاع ووضع الحوافز اللازمة له لكي يحقق هذه الاستثمارات.
من المبادئ أيضاً أن المملكة ستقبل أن يكون جزء من الإنتاج للأسواق المحلية المستثمر فيها؛ لأن المملكة هي مملكة الإنسانية وهذه البادرة تحمل بعداً إنسانياً تهدف إلى زيادة الناتج الزراعي العالمي، وبالتالي جزء من الإنتاج سوف يخصص للأسواق المستثمر فيها.
من المبادئ أيضاً أن تحمي الدولة هذه الاستثمارات أو تحقق لها الأمن والضمان الكافيين من خلال وضع معاهدات إطارية أو اتفاقات مع هذه الدول تضمن أن تكون العقود طويلة الأجل لأن المستثمر لا يمكن أن يستثمر في ظل فترات قصيرة أو وضع غير مأمون من حيث المدة.
وأيضاً من المبادئ أن الدولة ستضع آلية لاستلام المحاصيل لأن المستثمر ليس بالضرورة تاجراً، فقد يتفاعل القطاع الخاص ويستفيد من المبادرة وينتج للأسواق المحلية ولأسواق المملكة، فمهم جداً أن تكون هناك آلية واضحة لاستلام هذه المحاصيل بأسعار عادلة فالدولة لا تهدف إلى أن تستلم هذه المحاصيل بأسعار منخفضة أو أقل من الأسعار العالمية إنما الأسعار العالمية العادلة التي تحقق هدف المستثمر من تواصل استثماره.
من المبادئ المهمة أيضاً وضع آلية خزن استراتيجي للسلع الرئيسية والأساسية فمعظم الدول لديها مخازن إستراتيجية للسلع الضرورية تستفيد منها في التعامل مع والأزمات ومع تقلبات الأسعار لذا فهذا من المحاور الهامة في المبادرة.
ومما تتضمنه مبادئ المبادرة أيضا تَحَمُّل الدولة بعض مشاريع البنية الأساسية المرتبطة بهذه الاستثمارات. فالدولة - حفظها الله - تدرك صعوبة الاستثمارات الخارجية خاصة في دول قد لا تتوفر فيها البيئة المناسبة وخدمات البنية الأساسية من طاقة كهربائية وطرق حديدية وموانئ، والدولة متفاعلة جدا مع هذا الجانب من خلال أذرعها الاستثمارية.
النقطة الأخرى هي إنشاء شركة قابضة، وهو أحد الإجراءات التي ذكرت في حزمة القرارات التي صدر بها الأمر السامي الكريم رقم (125) وتاريخ 25-4-1429هـ هذه الشركة حتى توفر الموارد المالية للمستثمرين وتدخل معهم في شراكات. والشركة رفعت للمقام السامي بعد إعداد نظامها الأساسي، وهيكلها التنظيمي وهي في المراحل الأخيرة للإصدار.
والحقيقة أن هناك مبادئ أخرى فهذه المبادرة لها العديد من الجوانب، لذا كلفت عدة جهات حكومية بالتعامل معها وبتنفيذ متطلباتها حتى تحقق بإذن الله أهدافها.
دوافع المبادرة
الدكتور منصور الكريديس عضو مجلس الشورى طرح رؤيته حول المبادرة فقال: بودي العودة قليلاً للوراء إلى الدوافع التي جعلت الدولة تتجه إلى الاستثمار الزراعي في الخارج. طبعاً الأزمة التي مر بها العالم بداية عام 2008 الأزمة الغذائية المعروفة جعلت كثيراً من الدول تراجع سياساتها وبرامجها فيما يتعلق بتأمين الغذاء لمواطنيها وكان من ضمن الدول المملكة، وكنت اللغة الموجودة في ذلك الوقت لغة الأمن الغذائي، أقول هذا حتى لا نتحدث عن الاستثمار الزراعي قبل تشخيص الوضع. والحقيقة أن هذا الأمر مرتبط - الأمن الغذائي - وهو مفهوم طارئ على المملكة لم يطرح من قبل بهذا العمق.
من الضروري تحديد مفهوم الأمن الغذائي، وحسب التعريفات الموجودة للمنظمات التي تعنى بهذا الأمر مثل البنك الدولي ومنظمة الغذاء العالمية فإن الأمن الغذائي له عدة تعريفات. والأمن الغذائي حسب تعريف وزراء الزراعة العرب في إعلان تونس عام 1996 هو توفير الغذاء بالكمية والنوعية اللازمين بصورة مستمرة لكل أفراد السكان على أن يتم الاعتماد أولاً على توفير الغذاء من الإنتاج المحلي. وهذا أمر مهم لأن المملكة لها خبرة طويلة في التنمية الزراعية ونجحت فيها فيجب أن يكون تحقيقنا لمفهوم الأمن الغذائي مرتبط بما ننتجه محلياً.
وهناك تعريف للبنك الدولي شبيه بذلك وهو إمكانية أن يحصل أفراد المجتمع في كل الأوقات على الغذاء الكافي الذي يتطلبه نشاطهم وصحتهم. وحسب المفهوم الدارج فقد يتوقع أن الأمن الغذائي يأتي من إنتاج السلع المحلية للمواطنين وهذا غير صحيح فالأمن الغذائي هو أن تؤمن الدولة هذه السلع إما بالإنتاج المحلي أو بالاستيراد.
النقطة الثانية التي أريد إيضاحها: نحن نعلم أن قرارات مجلس الوزراء الصادرة في مايو 2008 كانت منصبة على تعزيز مفهوم الأمن الغذائي للمملكة، وأريد التأكيد أن الأمن الغذائي يفهم فقط على أنه إنتاج سلع زراعية. ولا يعني أن لدينا مشكلة في الأمن الغذائي أن لدينا مشكلة في الأمن المائي، فهذا غير صحيح. للأسف هناك خلط في هذا الموضوع، فهناك عدم دقة في ربط مفهوم الأمن الغذائي بالأمن المائي. والذي أراه أن الترادف الصحيح بين الأمن الغذائي والأمن المائي هو تحقيق مفهوم الاكتفاء الذاتي، وحين تسعى الدولة إلى تحقيق اكتفائها الذاتي على حساب مواردها المائية فهذا يعني وجود خلل.
فيجب أن تصحح المفاهيم، والترادف الصحيح هو الاكتفاء الذاتي ومعه الأمن المائي، وليس مستغربا أو جديدا اكتفاء المملكة ذاتيا من محاصيل أثرت على الموارد المائية منها القمح والأعلاف والنخيل.
يجب أن يكون اضحاً للجميع أن الإنتاج الزراعي في المملكة هو جزء مهم من مفهوم الأمن الغذائي الذي نسعى إليه. يجب أن نسعى لهذا في التنمية الزراعية ويجب أن يصحح ذلك حتى تكون عندنا تنمية زراعية مستدامة.
للأسف أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين لتعزيز الأمن الغذائي فهمت على أنها بديل للاستثمار الزراعي المحلي وهذا فهم خاطئ وقاصر، وكان يجب ألا تفهم على أنها بديل للإنتاج الزراعي المحلي. ولا بأس أن نذكر هنا أن الزراعة حققت مكتسبات كبيرة للوطن وأنها داعم ورافد أساسي للأمن الغذائي الوطني، كل ما في الأمر أنه كان يجب تعديل المسار حتى يتحقق مفهوم الأمن الغذائي الشامل كما أشرتم في السؤال
مبادرة مكملة للجهود المحلية
* فهد العجلان: أستاذ محمد أنتم كمستثمرين ما رؤيتكم تجاه المبادرة، خصوصاً أنها معنية بدعم للقطاع الخاص؟
- محمد بن سليمان الراجحي: من المهم فعلا التوضيح ان مبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي في الخارج ليست بديلة للزراعة محليا وإنما هي مكملة للخبرات التي استفادت منها المملكة منذ أكثر من ثلاثين عاما في المجال الزراعي، فلدينا خبرات محليه من الصعب الاستغناء عنها.
المبادرة تدعو إلى استغلال هذه الخبرات خارج الوطن مع الإبقاء على منتجات زراعية يتم الاستثمار فيها داخل الوطن، والحقيقة التي لا يمكن تجاوزها في هذا الإطار طبيعة العلاقة بين المنتجات الزراعية والمياه، فهناك بعض المنتجات التي كانت تستهلك المياه بكميات كبيرة كان من الطبيعي أن يتوجه الاستثمار فيها إلى الخارج، بالمقابل سيظل الإبقاء على بعض المنتجات الأساسية وتثقيف المزارع المحلي وهذه نقطة مهمة لأننا نعاني من مشكلة نقص ثقافة المزارع في استهلاك المياه، فالتحول الآن تحولان: تحول تثقيف المزارع بكيفية استهلاك المياه في المنتجات المحلية، والثاني استغلال خبراتنا التي اكتسبناها في هذه الفترة للزراعة خارج الوطن.
نحن في شركة الراجحي الدولية كجزء من القطاع الزراعي المحلي لنا أكثر من 30 سنة خبرة في هذا المجال، حاولنا أن ننقل هذه الخبرة للخارج ولنا زملاؤنا وإخواننا العرب الذين كانوا يعملون معنا في السعودية وبسبب التقادم أراد كثير منهم العودة إلى بلدهم، فلما بدأنا فكرة الاستثمار في الخارج كان من المنطقي أن نبحث عن أولئك الذين استفادوا من خبرة المملكة، فبدأنا بالسودان، وكذلك مصر من خلال مشاريع إستراتيجية في شمال السودان وجنوب مصر، وتمحور تركيزنا على الحبوب وإنتاجها على أن يكون جزء من الإنتاج للسوق المحلية التي ننتج فيها، وجزء منه للتصدير للمملكة.
نحن كشركة سعودية تعمل وفق رؤى إستراتيجية وتخطيط فعال لا يمكننا أن نتجاهل حقيقة أننا منتجو حيوان وربيان وتمثل الحبوب غذاء رئيسياً لهما ولذا استشرفنا المستقبل منذ عشر سنوات تقريباً وطرحنا التساؤل حول إمكانية خلق بدائل ناجحة فيما لو قننت الزراعات المحلية التي تستهلك المياه بشكل كبير فبدأنا منذ ذلك التاريخ نجري مسحاً إستراتيجياً على كثير من الدول من ضمنها أستراليا وكندا والأرجنتين وأوكرانيا والدول العربية؛ مصر والسودان، ووصلنا إلى أن البلدان القريبة هي أهم بلدان نستطيع أن نعتمد عليها، لا سيما وأن هناك مساحات شاسعة يمكننا استغلالها في الزراعة.
وأيضاً توجد أنظمة للمياه في تلك البلدان فوصلنا إلى نتائج مع هذه الدول، وحصلنا على عقود إستراتيجية معهم كاستثمار زراعي يستهدف تغطية جزء من احتياجات المملكة وجزء من احتياجات البلد المستثمر فيه.
تجربتنا في الحبوب تشمل؛ الذرة، القمح، الشعير، الذرة الرفيعة، وهذا كله يتقاطع مع التوجه الحكومي بفتح المجال للاستثمار خارج المملكة وهذه المنتجات من أهم المنتجات التي تعتمد على المياه ، لذا جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين بالاستثمار الزراعي في الخارج لتأمين مخزون إستراتيجي للمملكة؛ حتى نواجه المشكلة التي وصلت إليها المنطقة.
آليات التنسيق.. وضمان نجاح المبادرة
* فهد العجلان: دكتور عبدالله بما أن المبادرة ستتضمن جهداً حكومياً وآخر من القطاع الخاص فما هي الآليات التي يمكن للجانبين التنسيق بشأنهما لضمان نجاح المبادرة؟
- د. عبدالله العبيد: دعوني أؤكد مرة أخرى على جانب هام وهو أن المبادرة ليست بديلا عن الاستثمار المحلي ولكن مكمل له، ومن الأدلة على ذلك أن الدولة لا تزال مهتمة بالقطاع الزراعي وأنها أصدرت قراراً بتغيير اسم البنك الزراعي إلى صندوق التنمية الزراعية وزادت رأس ماله من 12 مليار ريال إلى 20 ملياراً، دلالة على استمراره في تنمية القطاع الزراعي في المملكة، وللدلالة على ذلك أيضاً أن التركيز في هذه المبادرة على سلع إستراتيجية معظمها لا ينتج محليا فلن تؤثر الاستثمارات فيها على واقع القطاع الزراعي.
فالمبادرة معنية بتوفير السلع الأساسية مثل الأرز والشعير والذرة وفول الصويا والأعلاف والقمح والسكر والزيوت النباتية والثروة الحيوانية، ومعظم هذه المنتجات لا تنتج محليا.
والمبادرة أيضا في خدمة القطاع الزراعي لأن المستثمرين فيه قد يكونون تأثروا بالقرارات الأخيرة، فجاءت المبادرة مخرجاً لهم للاستمرار في إبداعاتهم ونجاحاتهم في القطاع الزراعي.
والدولة عندما تتحدث مع الدول الأخرى عن الاستثمارات الزراعية من قبل القطاع الخاص السعودي حقيقة تتكلم بافتخار لأنها تعلم أنها تجربة ناجحة وأن الخبرة المتراكمة كبيرة والدولة تراهن على نجاح هذه الاستثمارات في الخارج لوجود المقومات من رأس المال والخبرة المتوفرتين لدى القطاع الخاص.
أما فيما يتعلق بسؤالك عن التعاون بين القطاعين العام والخاص، فهو تعاون أزلي وقديم، والقطاع الزراعي في المملكة معظمه قطاع خاص، الدولة تشرف عليه من حيث الأنظمة والسياسات والبرامج، والقطاع الزراعي الخاص من القطاعات الرائدة في التفاعل مع توجهات القطاع العام. وجميع سياسات القطاع لاقت قبولا وتفاعلا من القطاع الخاص، رغم أن القطاع الزراعي مرتفع المخاطر،
والقطاع الزراعي لدينا نما وتطور وأصبح مفخرة، حتى أن منظمة الأغذية والزراعة العالمية، أرسلت وفدا من 21 دولة للاطلاع على التجربة السعودية في مجال التنمية الزراعية. وفي عام 1997م قدمت المنظمة لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - الميدالية التقديرية تقديرا من هذه المنظمة الرائدة المعنية بالتنمية الزراعية في العالم لتجربة المملكة.
وأنا أتحدث بافتخار دائما عن هذا القطاع لأنه خلال العقود الثلاثة الماضية استطاع أن يوفر سلعاً زراعية رخيصة ومستقرة، ما جعل المواطنين يحافظون على دخولهم الحقيقية.
المحرك الأساسي للنظر في رفع الأجور والمرتبات غالبا ارتفاع أسعار السلع الغذائية، ومن فضل الله عز وجل أن جميع السلع الغذائية الزراعية حتى الآن في وقتنا الحاضر ما تزال بأسعار متناول الجميع وهذا من فضل الله عز وجل أولا ثم من الدعم الحكومي الذي مكن القطاع الخاص أن يدخل في الأنشطة المختلفة له ويستثمر فيها، وأصبح لدينا قطاعات نعتبرها مفخرة، فلدينا قطاع الألبان مفخرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقطاع الدواجن أيضاً بشقيه اللاحم والبياض، حتى أصبح لدينا مشاريع متخصصة في الأمهات وفي الجدات لكلا النوعين اللاحم والبياض، والمسالخ، فقد لا يعلم الناس أن لدينا الآن في المملكة أكبر مسلخ في العالم تقريباً، طاقته الإنتاجية 25 ألف طائر في الساعة، وهناك أيضاً نماذج مضيئة للقطاع الزراعي في مجال البيوت المحمية، في مجال زراعات لم يتعود عليها المجتمع مثل الفاكهة شبه الاستوائية في منطقة جيزان والحمضيات في منطقة نجران، والزيتون في المنطقة الشمالية، وأصبح لدينا مجتمعات هي بالفعل مجتمعات زراعية.
فالحديث بين القطاعين العام والخاص يطول، وهما مكملان لبعضهما، الدولة ممثلة بالوزارة والأجهزة المعنية الأخرى تقدم التشريعات والأنظمة، وأيضاً تضع البرامج والسياسات، ويتفاعل معها القطاع الخاص. بمثل هذا النمط الجيد من التعاون والتنسيق؛ القطاع الحكومي يؤمن الغطاء الرسمي من الحوافز الجيدة التي سوف تشجع القطاع الخاص على الاستثمار، والقطاع الخاص هو المستثمر الحقيقي في هذه الدول، والرسالة التي يتم باستمرار إيصالها إلى المسؤولين في الدول المستهدفة بالاستثمار هي أن القطاع الخاص الزراعي مدعوم بتأييد وتشجيع الدولة. وليس هذا بمستغرب، فالاستثمارات الزراعية مرتفعة المخاطر، تختلف اختلافاً جذرياً عن الاستثمارات في القطاع الصناعي وغيره، والدور الذي تقوم به هذه الاستثمارات دور هام لأنها توفر احتياجات أساسية لهذا البلد، وأيضاً القطاع الخاص هو صاحب التجربة، وسوف يشارك بماله وجهده وخبراته في هذه البادرة.
عندنا شركات كثيرة أبدت الأسبقية للتفاعل، بل بعضها سبق المبادرة كما ذكر الأستاذ محمد بن سليمان الراجحي؛ لأن هؤلاء المستثمرين الذين لديهم خبرة طويلة في مجال الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني يدركون صعوبة الاستمرار في بعض الاستثمارات المحلية ويريدون نقل تجربتهم إلى الخارج، ولدينا حقيقة نماذج مضيئة في كثير من الدول لمستثمرين سعوديين، ونحن على يقين أنه بالمبادرة سوف ترتفع نسبة هذه الاستثمارات.
كثير من الدول لديها صناديق سيادية ولديها استثمارات وتتعرض للمخاطرة وتتعرض لدعم الدولة فما الذي يضير بأن يكون للمملكة صناديق سيادية في المجال الزراعي، حتى ولو أنفق عليها مبالغ كبيرة؛ لأنها حقيقة ستؤمن سلعاً إستراتيجية للسوق المحلية. كثير من الأنشطة المحلية تحتاج إلى مدخلات، وهذه المدخلات تُستورد الآن، فجميل جداً أن تكون منتجة من خلال استثمارات سعودية، بالإضافة إلى السلع المهمة والرئيسة للمواطنين.
دراسة أبعاد المبادرة بعمق
حول ذات السؤال قال الدكتور منصور الكريديس: كما ذكرنا في السابق أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين وحزمة القرارات التي أصدرها مجلس الوزراء كانت قرارات عامة، أما التفاصيل فتركت للجهات التنفيذية المعنية ونلاحظ أن إيقاعها بطيء.
ولكي نستطيع أن نحقق هذه المبادرة كما رغب خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - لا بد من دراسة أبعادها بعمق والوصول إلى صيغ تفصيلية واضحة تساهم في تحقيق أهداف المبادرة دون تعجل. ومن وجهة نظري هناك نقطة مهمة هي تحديد السلع المراد الاستثمار فيها، حتى لا يكون ذلك على حساب الإنتاج الزراعي المحلي كما ذكرت من قبل، فهذا ضد تحقيق مفهوم التنمية الزراعية، والخوف عندما يصبح هناك دعم للمبادرة وتمويل وشراء منتج أن يتحول المستثمر للمكان الذي يحقق فيه مصلحة وجدوى اقتصادية بالنسبة له، وهنا مكمن الخطورة، فيجب أن نكون واعين حتى لا يصبح هناك تأثير على ما أنفقنا عليه البلايين في إنشاء بنية تحتية زراعية.
ذكر الزميل توفير الضمانات اللازمة لحماية الاستثمارات السعودية وهذا من خلال الشركة القابضة التي ستتولى شراء المنتج وهذا جارٍ التمهيد له، إضافة إلى الاستفادة من تجارب الدول التي لها استثمارات مماثلة، وأنا لا أدري حقيقة ومن الممكن للدكتور عبدالله بحكم خبرته وزياراته إلى تلك الدول أن يطلعنا إذا كان هناك استثمارات لدول أخرى مماثلة بنفس صيغة المبادرة التي نحن بصددها في المملكة وإذا وجدت مثل هذه الصيغ فأعتقد بأننا معنيون بدراستها بشكل عميق لتحديد الإيجابيات. والسلبيات
وأتمنى من الجهات التنفيذية المعنية بتفعيل المبادرة أن تعقد ندوة أو مؤتمر يجمع تحت مظلته الخبراء والمختصون والمعنيون من القطاعين العام والخاص وليس الاعتماد على المبادرات الفردية من قبل وزارة أو أخرى.
الوقوف علي تجارب مماثلة
* فهد العجلان: د. عبدالله بحكم عملك في وزارة الزراعة أعتقد بأن حديث الدكتور منصور تضمن أسئلة هامة حول أهمية دراسة التفاصيل والاطلاع على تجارب مماثلة وعقد مؤتمر يجمع تحت مظلته المعنيين فهل تم شيء بهذا الخصوص؟
- د. عبدالله العبيد: جميل الاختلاف حول بعض وجهات النظر، وحديث الدكتور منصور حول المبادرة أو إيقاعها البطيء كما وصفه، لا أتفق معه في هذا الجانب، والتفاصيل تحتاج إلى وقت حتى تخرج بصيغتها النهائية الجيدة التي تخدم تفعيل المبادرة بشكل صحيح. وجميع الوزارات كلفت بمهام محددة، لإكمال هذه المنظومة وهي في اجتماعات مستمرة مع القطاع الخاص، وعلى سبيل المثال وزارة الخارجية كلفت بإنهاء الاتفاقات الإطارية وعقود الامتياز، وعقدت اجتماعات كثيرة مع رجال الأعمال حتى تم التوصل إلى مفهوم موحد يخدم هذه المبادرة، وهذه الاتفاقية الإطارية وعقود الامتياز من فضل الله في مراحلها النهائية، وهي غطاء يضمن نجاح هذه الاستثمارات في الدول المستهدفة، أيضاً قبل أن تنشأ الشركة القابضة كان هناك اجتماعات مع القطاع الخاص للتعرف على مرئياته وملاحظاته على الهيكل التنظيمي لها وهذه كلها خطوات واضحة وفعالة.
فيما يتعلق بالنظرة غير المطمئنة للاستثمارات الزراعية في الخارج والتي يتخوف منها البعض فأنا على خلاف ذلك حقيقة، فالآن كثير من الدول لديها قناعة بالاستثمار الأجنبي المباشر وهناك تجاوب كبير، بل إن المملكة تأتيها دعوات من الدول، فقبل شهر أو أكثر كانت رئيسة الفلبين في زيارة غير رسمية للمملكة وكان هدفها الأساسي تقديم دعوة للمملكة للاستثمار في الفلبين، وكانت تقترح مساحات كبيرة للمستثمرين السعوديين. وباستمرار يأتينا في المملكة مثل هذه الدعوات من دول إفريقية ودول أخرى مثل تركيا على سبيل المثال لدعوة المملكة للاستثمار فالاستثمار الأجنبي المباشر يحقق مصالح ومنافع لهذه الدول، باعتبار عدد منها تفتقد إلى رأس المال وهناك دول كثيرة غيرنا تستثمر في تلك الدول، فالسودان بها دول غيرنا مستثمرة كالإمارات والجيش الأردني، والحكومة الليبية والحكومة المصرية، وأوكرانيا، والدول الأوروبية تستثمر في شمال إفريقيا، وكوريا الجنوبية تستثمر في مدغشقر، والصين الآن تستثمر بشكل كبير في الدول الإفريقية. نحن الآن في عصر العولمة، وفي عصر الشركات العابرة للقارات، وفي عصر التكتلات، وجذب الاستثمار الأجنبي أصبح إحدى الأدوات المستحدثة لدعم الاقتصاد المحلي ونحن لسنا بمعزل عن ذلك، فلدينا أيضا نظام استثماري جديد يرغب المستثمرين في الاستثمار في المملكة.
دعم حكومي متدرج
محمد بن سليمان الراجحي: أود أن أعقب على حديث الدكتور منصور الكريديس في نقطتين أولاهما أن القطاع الخاص السعودي له مبادرات بالاستثمار في الخارج وحقق نجاحات كثيره ولا أتحدث هنا عن شركة الراجحي الدولية للاستثمار فقط فهناك شركات أخرى لعل الدكتور عبدالله العبيد يعرفها بالاسم، ونحن في شركة الراجحي الدولية على سبيل المثال نزرع في السودان 25 ألف فدان في المرحلة الأولى، وفي نوفمبر سنزرع 100 ألف فدان، وفي مصر الآن 25 ألف فدان وفي نوفمبر سنزرع 50 ألف فدان وقد بدأنا ولا نزال نمضي قدماً.
بالنسبة للقطاع الخاص تعد المعايير الربحية هامة جدا، فلم ينطلق القطاع الخاص للخارج من دون معايير ربحية، وأعتقد أن مبادرة المملكة في هذا المجال إذا أخذت في حسبانها هذا فستنجح المبادرة وتحقق المرجو منها. ونحن في الشركة لدينا تجربة من خلال إجراء مسوح على عدد من التجارب الاستثمارية في الخارج اكتشفنا أن مشاريعا أنفق فيها الملايين ومع ذلك لم تنل حظا من النجاح وفشلت فشلا ذريعا وبعضها في الدول التي نستثمر فيها الآن لأنها قامت على معايير غير ربحية، لا تخلو من مجاملات، وهي أشياء نحن بعيدون عنها كقطاع خاص سعودي يملك تجربة احترافية ومن المعروف أن الزراعة أخطر استثمار، ولابد في هذا المقام من إرجاع الفضل لأهله فلولا الدعم الحكومي على مر العهود منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز يرحمه الله إلى وقتنا الحاضر من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لما قامت للزراعة في المملكة قائمة ولما تطورت وازدهرت خلال الثلاثين عاما الماضية؛ لذا أعتقد أن وجود الدولة كغطاء سياسي وتسويقي سيكون أحد أهم أولويات الشركة القابضة التي ستتولى هذه الآلية واحد اهم ركائز نجاح المبادره.
أما بالنسبة للخبرات أو الاجتماعات أو الندوات واللجان التي اعتقد الدكتور منصور بعدم وجودها، فالحقيقة أن هناك لجاناً واجتماعات مكثفة بين الجهات المعنية والقطاع الخاص وصلت إلى نتائج هامة ولعلها أن تكون قد بدأت ترى النور، فالأمل في هذه الشركة والمبادرة إن شاء الله سيكون كبيراً.