في أثناء بناء جانبٍ من منزله، لاحظ أن سائقه قد قام بكتابة تاريخ البناء على إحدى الزوايا المتوارية، وإذْ لم يشأْ إحراجه فقد أبقاها مجاملة له، ومع مرور الزمن اتضحت له قيمة تلك الأرقام (العفويّة) في تسجيل رحلة أو مرحلة شهودها إنسان وزمان ومكان.
* وفي كتاب الشيخ العلامة (محمد بن ناصر العبودي 1345 - ): (مشاهد من بريدة) - الصادر عن دار الثلوثية - قال: إنه وضع لوحة تذكارية تاريخية لبيت جده هي الأولى من نوعها في مدينته، وأشار إلى تاريخ بنائه منذ أن كان (حوشاً وبئراً) عام 1307هـ حتى صار مبنىً حديثاً أوقفه الشيخ على ذرية أبيه رحمه الله.
* وقد تواصل طرح الشيخ العبودي -رعاه الله- متأسفاً على إهمال تأريخ الأمكنة، بل إنه بحث عن بيوت حجيلان بن حمد أمير بريدة، والشيخ محمد العبدالله آل سليم، والشاعر محمد العوني فلم يعثر لها على أثر، وما قاله الشيخ عن مدينته يكرره آخرون بحسرة وأسى، إذ مرت أجيال شيدت ورعت، فجاءتْ أجيال نسيت وضيّعت، وباتتْ مدنها بلا تاريخ، وصار بناؤها دون ذاكرة، وعشنا لنرى الآثار تهدم، والحارات تلغى، وشواهد القبور تطمس، وكأننا نبتهٌ بلا جذور تجهل أمسها، وتتجاهل غدها، وتتعايش دون أن تعيش يومها.
* في الجزء الشمالي من مقبرة الشهوانية بعنيزة قبر الشيخ الإمام عبدالرحمن السعدي 1307 - 1376هـ وعليه تاريخ وفاته كما هو متبع في كل بلاد الدنيا، وبجانبه قبور أحدها لجد صاحبكم (علي التركي العمرو المتوفى في 12 - 9 - 1385هـ) -رحمهم الله- ، ثم أُحدث لدينا ما أُحدث في الأعوام الثلاثين الماضية منذ حركة جهيمان؛ فاختلطت الألوان، وغامت الصوُّى.
* نحتاج إلى أن نؤرخ الإنسان والمكان والتجربة والشجرة والشارع والمئذنة والبناء وإعادة البناء، ومن العقوق أن نتحكم في الأمس والغد ولا يكفينا أن استأثرنا باليوم، وننسى أن الزمن يدور، وأن من استأثر بالصف الأول يوماً سيعود إلى الصف الأخير أياماً.
* تسكننا الأماكن أكثر مما نسكن فيها؛ فلها رائحة ومذاق ولون، وما تزال سنديانة (مارون عبُّود) في (عين كفاع)، ومغارة (ميخائيل نعيمة) في (بسكنتا)، وبيت (أمين الريحاني) في (الفريكة)، ومتحف جبران في (بشري) علامات على حكايات مضت وانقضت، وبقي المكان فيها الشاهد الأوحد.
* المكان يتنفس بالوفاء.
Ibrturkia@hotmail.com