Al Jazirah NewsPaper Tuesday  31/03/2009 G Issue 13333
الثلاثاء 04 ربيع الثاني 1430   العدد  13333
الحظ عتبة الفاشلين
د.خالد بن محمد الخضر

 

يقول أساطين الإدارة إن الحظ هو (التقاء فرصة مع عمل) أي أن الحظ يقوم على مبدأ وجود الفرصة أولاً ومن ثم اغتنام هذه الفرصة، وبالتالي فإن الحظ هو النتيجة التي تقوم على معطيات وأسس موصلة لهذا الحظ، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، وهذه إشارة على أن الحظ لا يأتي دونما فعل الأسباب والعمل بالمعطيات،

(جاء أحد الأعراب إلى المسجد وكانت معه دابته فقال لرسول الله أعقلها أم اتكل؟ قال: أعقلها ثم اتكل).. أو كما جاء عنه عليه أفضل الصلاة والسلام، وكان هدى نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم يقوم على فعل الأسباب بكل الأمور، يخالفني كثير من زملائي والمحبين أن الحظ يلعب دوراً كبيراً في نجاح إنسان ما ويدللون على ذلك بالشواهد، ولكني أرد عليهم بأن لكل نجاح معطيات ومقومات قام عليها هذا النجاح ولا تأتي الأمور والحظوظ هكذا على عواهنها، النجاح في العمل يحتاج إلى بذل جهد ومزيد من المثابرة، والنجاح في المدرسة يحتاج إلى مزيدٍ من المذاكرة والمراجعة، والوصول إلى جنات النعيم يحتاج إلى كثير من الضوابط والعمل وفعل الخيرات واجتناب النواهي، يقول أحد الفلاسفة: (إن الفاشلين تزداد عندهم مساحة التشبث بلعبة الحظ وإن كل الأمور مرجعها إلى الحظ، ففلان لم ينجح بسبب الحظ، وفلان لم يصبح ثرياً بسبب الحظ.. وهكذا، ولكن الناجحين هم الذين يضعون الحظ في مكانه الطبيعي وتحت معياريته الحقيقية، قال لي أحدهم وهو يمازحني: (لولا الظروف المعاكسة لأصبحت أثرى الأثرياء).. فسألته ما هذه الظروف؟.. فبدأ متأهباً وبدأ يلقي اللوم على فلان وعلى الواقعة الفلانية وعلى المدرسة وعلى أقرانه وحتى بيته، هم الفاشلون الذين يتشدقون بذلك، للنجاح أيها السادة ضوابط ومعايير كثيرة أهمها تحديد الهدف الواقعي والمستطاع تحقيقه، والسعي وراء تحقيق هذا الهدف بخطة زمنية واقعية أسبوعية.. شهرية.. سنوية، دراسة وتقييم نسبة ما تحقق من الهدف والأسباب التي أدت إلى تأخر تحقيقه، والجهد والمثابرة للوصول إلى الهدف، بذل الأسباب والمعطيات الموصلة لذلك الهدف، تجاوز الصعاب وتخطي العقبات بالصبر والدعاء والمثابرة.. كل هذه العوامل مجتمعة تحقق النجاح وتلامس الغايات، يقول لي أحد رجال الأعمال إنه عانى في بداياته أكثر من سقطة بل إن تلك السقطات تجاوزت الاثنتي عشرة مرة خلال الخمس سنوات الأولى وما لبث صاحبنا حتى ثابر واجتهد واستفاد من الأخطاء مع تغييرات في الإستراتيجيات وقراءة الأحداث حتى أصبح صاحبنا أحد أكبر رجال الأعمال في المملكة، الحظ أيها السادة إذا لم نبادر باستثمار الفرصة التي وهبنا الله إياها فإننا لا نستطيع تحقيق هذا الحظ، يقول أحدهم مُشبّهاً الحظ باصطياد الطيور في واحة خضراء، فإذا أتت الطيور على الشجرة التي تستظلها أنت على سبيل المثال وليس لديك أدوات الصيد التي تحقق لك اصطياد مثل هذه الطيور فإنك لن تستطيع تحقيق الهدف، مثلها مثل الحظ إذا أتتك الفرصة ولم تكن لديك أدوات تحقق الفرصة والحصول عليها فسيصبح الحظ عبثاً لا يعدو أن يكون سراباً يمر بنا ويتجاوزنا، ومن نافلة القول هنا إنني أؤكد في كل مقام أن الحظ هو أحد العوامل التي يستفيد مها الناجحون ويستثمرونها خير استثمار، لذا نجد أن الفاشل يمر عليه كثير من الفرص ثم لا تلبث أن تخبو وتزول لأنه فقط يراقب تلك الفرصة عن بُعد ويتمنى على الله الأماني دون عمل أو موقف جاد يتخذ من خلاله انتهاز تلك الفرصة، بينما الناجحون هم أولئك الأشخاص الذين يبادرون بالتعامل مع تلك الفرصة بشكل جاد وعملي لتحقيق تلك الفرصة وترجمتها إلى أرض الواقع المعاش، البسطاء دائماً ينعتون الناجحين (بالمحظوظين) والفاشلين (بمقرودي الحظ)، إذن فالحظ مرتبط لدى أولئك البسطاء بالنجاح دون سبر أغوار تلك النجاحات وكيف عانى هذا الناجح من مواقف وحالات وظروف يشيب لها الرضيع، يا سادة لو أن الحظ هو اللاعب الأساس لأصبحنا في بيوتنا وركنّا إلى الدعة والراحة حتى يأتينا الرزق ونحن نيام، ألم نسمع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما دخل المسجد ووجد الثلاثة الذين يأكلون من عرق إخوانهم وأقاربهم؟! ماذا فعل بهم؟! أخرجهم عمر من المسجد وقال: هم أفضل منكم يقصد إخوانهم العاملين والمتوكلين على الله، أنا هنا في هذا المقام لا ألغي الحظ، بل بعضهم يقول: هو توفيق الله.. وأقول: كل أمورنا تحت توفيق الله {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ}.. لكن يجب أن لا نكون متواكلين بل متكلين على الله وعاملين بالأسباب حتى يستقر الرضا الداخلي في أنفسنا ونعلم أننا عملنا ما طلب منا وأن الباقي هو في يد الله، على المسلم وكل بنو البشر أن يحرثوا الأرض ويضعوا السماد ويزرعوها ويعزقوها وأن يتابعوها بالماء والرعاية وتبقى النتائج والثمار على الله الواحد القهار.

كاتب سعودي


Kmkfax2197005@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد