Al Jazirah NewsPaper Tuesday  31/03/2009 G Issue 13333
الثلاثاء 04 ربيع الثاني 1430   العدد  13333
الانجراف عبر الأطلنطي
يوشكا فيشر

 

على ضفاف نهر الراين وفي براغ، يعتزم حلف شمال الأطلنطي والاتحاد الأوروبي تكريم الرئيس الأميركي الجديد في أوائل شهر إبريل/ نيسان. وفي هذه المناسبة سوف تلتقط الصور الفوتوغرافية الجميلة وتُلقى الخطب الرنانة بشأن مستقبل العلاقات بين ضفتي الأطلنطي - أو بعبارة أخرى، العمل على النحو المعتاد.

ولكن قبل انعقاد قمتي ستراسبورغ وبراغ سوف تخضع العلاقات عبر الأطلسية للاختبار في إطار قمة مجموعة العشرين التي ستنعقد في لندن.

كان المقصود من انتخاب باراك أوباما تحسين كل شيء أو هكذا كنا نتمنى. وكان من المقصود أيضاً وقف هذا الانجراف الذي طرأ على العلاقات بين ضفتي الأطلنطي أثناء سنوات حكم جورج دبليو بوش الثماني، بل عكس اتجاهه إن أمكن. ولكن يبدو أن هذا الأمل بدأ يتلاشى بعد أن تسببت الأزمة الاقتصادية العالمية في إبراز الخلافات بين أميركا وأوروبا.

لا شك أن الزعماء المجتمعين في قمة لندن سوف يتفقون على بيان ختامي مشترك، وذلك لأن لا أحد يستطيع أن يتحمل الفشل. ولكن الخلافات سوف تظل قائمة. فالولايات المتحدة تريد أن تحل الأزمة العالمية من خلال توفير المزيد من المعونات المالية الضخمة، وهو ما ترفض أوروبا الالتزام به، حيث تفضل التركيز على إصلاح التنظيمات المالية.

وفي النهاية سوف يتم التوصل إلى صيغة توفيقية للبيان الختامي تشتمل على الرغبتين. ومن ثَم فسوف تسارع وسائل الإعلام في كل بلد إلى امتداح (شجاعة) حكومتها و(حسمها)، وإعلان نتيجة القمة (الفوز بالنقاط). ولكن الأمر لن يشتمل على أي استجابة عالمية قوية لأخطر أزمة تواجه العالم منذ عام 1929. ذلك أن هذه المعركة تحتاج إلى زعيم لم يظهر إلى الوجود بعد.

إن السبب الرئيسي وراء الجرعة الجديدة من الانجراف في العلاقات بين ضفتي الأطلنطي يتلخص في تعرض كل من الطرفين للأزمة على نحو مختلف. فأميركا تخشى الانكماش؛ وأوروبا - التي يحركها أضخم اقتصاد لديها، وهو الاقتصاد الألماني - تخشى الدين الوطني والتضخم.

لقد اتخذت الولايات المتحدة منعطفاً إيديولوجياً وعملياً كاملاً، فاعتمدت على مبادئ كينز وتحفيز الطلب العام من خلال الاستدانة لمنع المزيد من الانحدار. ولكن الأوروبيين، رغم أنهم أطلقوا خططاً للانتعاش الوطني، فما زالوا غير راغبين في خوض مجازفة مماثلة مع الديون. فضلاً عن ذلك فإن دولة الرفاهية الأوروبية سوف تخفف من الآثار المترتبة على الانهيار الاقتصادي، لبعض الوقت على الأقل.

ولكن التكتيكات السياسية أيضاً تلعب هنا دوراً مهماً. فقد انتخب أوباما لأربعة أعوام، ومصيره السياسي يتوقف على قدرته على هندسة الانتعاش الاقتصادي. وأي تردد في هذا السياق ربما يخلف عواقب عميقة ولا يمكن إصلاحها. ولكن زعماء أوروبا يواجهون مقتضيات مختلفة تماماً.

على سبيل المثال، يعيش رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون موقفاً يائساً. ذلك أن الانهيار الاقتصادي في المملكة المتحدة لا يقل في حدته عن الانهيار الاقتصادي في أميركا، الأمر الذي اضطر الحكومة إلى الاعتماد بشكل كامل تقريباً على الإنفاق بالاستدانة لمنع انهيار نظامها المالي بالكامل. لم يتبق أمام براون سوى بضع نقاط، والمملكة المتحدة لم تقترب بعد من ذروة الأزمة وأسوأ عواقبها. ولن يستطيع إنقاذ براون إلا معجزة.

إن مصير براون سوف يخلف أثراً بعيد المدى على كل من ألمانيا وفرنسا. ولا ترغب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ولا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في المقامرة بمستقبلهما السياسي. سوف تلعب ميركل دوراً رئيسياً في تقرير موقف أوروبا، ليس فقط لأنها زعيمة أضخم اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، بل وأيضاً لأنها راغبة في إعادة انتخابها في شهر سبتمبر/أيلول.

والحقيقة أن نتيجة هذه الانتخابات باتت غير مؤكدة على نحو متزايد، ولقد أصبحت ميركل في موقف غير مريح على الإطلاق، وهو الموقف الذي قد يتفاقم إلى أن يتحول إلى مأزق حقيقي. فإذا ما اختارت ميركل الإنفاق بالاستدانة الآن، فسوف تخسر الدعم الذي بدأ يتضاءل سريعاً بسبب الدين الحكومي المتزايد، والتأميم، وبرامج التحفيز، إلى آخر ذلك. ولكن إذا ما ارتفعت مستويات البطالة في مطلع الصيف وأفلست بعض الشركات التي تشكل أهمية بالنسبة للأسر الألمانية، فقد تُرى وكأنها لم تبذل القدر المطلوب من الجهد، وهو ما من شأنه أن يسمح للديمقراطيين الاجتماعيين بالفوز بالانتخابات.

ما زال علينا أن نرى ما إذا كانت النتيجة سوف تتحدد على ضوء البطالة أم الدين الحكومي. ولكن ميركل سوف تبذل قصارى جهدها لتجنب إلزام نفسها قبل الأوان، ولا شك أن قمة لندن تأتي في وقت مبكر للغاية بالنسبة لها.

إن هذا النوع من التفكير المشروع رغم ما ينطوي عليه من ضيق أفق سوف تترتب عليه عواقب دولية خطيرة. ذلك أن الخلاف بين أوروبا وأميركا يؤدي إلى عرقلة أي عمل منسق بين الكيانين الأضخم على الصعيد الاقتصادي في الغرب، الأمر الذي لا بد وأن يؤدي بالتالي إلى إضعاف الغرب ككل. فضلاً عن ذلك فإن هذا الخلاف يعمل على ابتعاد الولايات المتحدة عن أوروبا واقترابها من الصين.

وهذا من شأنه أن يزيد من ضعف العلاقات بين ضفتي الأطلنطي، وأن يعزز من دور الصين في التعامل مع الأزمة على الصعيد العالمي، فيؤكد بالتالي احتمالات خروج الصين من هذه الأزمة باعتبارها الطرف الوحيد الفائز.سوف يتغير العالم بمجرد انتهاء هذه الأزمة، ولن يكون بوسع الأوروبيين أن يتذمروا آنذاك. سوف يكون العالم أقرب إلى الباسيفيكي وأقل اعتماداً على العلاقة بين ضفتي الأطلنطي، ولسوف يتشكل المحور الجديد للسياسة العالمية على الركيزتين الصينية والأميركية.

الآن تتمنى برلين وباريس وغيرهما من العواصم الأوروبية أن ينجح أوباما رغم كل ذلك في تسوية الأمور. فإذا ما نجح باعتباره أحد أتباع كينز الخارقين فلن يضطر أحد إلى تحمل المجازفات فيما يتصل بمستقبله السياسي. وإذا ما فشل، حسناً: (حمداً للرب أن أحداً غيره لم يتورط في الأمر). الحقيقة أن كلاً من الموقفين يشكل خطورة متساوية فيما يتصل بالمصالح الحيوية لأوروبا. وإذا ما نظرت أوروبا إلى دورها في هذه الأزمة - التي قد تتحول في وقت ما إلى كساد كامل - باعتبارها راكباً بالمجان فلسوف يكون التعامل معها وفقاً لذلك في المستقبل.

يوشكا فيشر كان عضواً بارزاً في حزب الخُضر الألماني لما يقرب من العشرين عاماً، وكان وزيراً لخارجية ألمانيا ونائباً لمستشارها أثناء الفترة من عام 1998 إلى عام 2005م.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت / معهد العلوم الإنسانية، 2009م.
www.project-syndicate.org
خاص بالجزيرة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد