هو صراع أزلي فيه يبحث عن الاحترام ودور في التشكيل العام، والمرأة من خلال ما بين أيدينا من نصوص: تجربة تعاني من ألم السلطة والغربة في زمن الرجل البطل.
احتراقات أنثى * مجموعة قصصية للكاتبة تركية العمري (25) قصة قصيرة تمدد أثرها على (105) صفحة تراوح القص بين انثيال إنساني قائم على الشعور بالذات في مكان يفقد وجوده من خلال امرأة تبحث عن مكان وفضاء امرأة لا تملك مشهدا لما يتعامل في داخلها.
فقد جاء صوتها (أي الأنثى) راويا في (22) قصة وتقاسم الذكر السرد في نص (1) واستفرد في نصين (2) الوصف المباشر يحمل وجهة نظر الكاتبة التي استعملت بذكاء قدرتها في إيجاد شخصيات حية مرتبطة بواقع تعيش فيه.بنت السيل القصة التاسعة في المجموعة اسم البطلة (حياة) هنا ارتبط الاسم بتخلق الشخصية المجهولة ونجد هناك داخل النص إشارات بأنها تنتمي لأسرة وإن تخلى الجميع عنها لتنمو بين جدران أسرة حمتها من غوائل الزمن معها اقتنعت بواقعها الذي معه جاء قولها (وسأهرب من تداعيات حكاية مولدي المعتمة. ولكن هل ستنسى قريتي طفلة السيل) فهي هنا تبحث عن فضاء أرحب تندغم فيه ولا تجد نظرات تتابع نموها.
بين النصوص امرأة مشتعلة تثأر لنفسها ولأنوثتها من خلال عجزها في امتلاك قرارها والسيطرة على العالم الخارجي بوعي اجتماعي اتضح أكثر في قصة (رجل رماد) وحالة بر الوالدين مقارنة بين أبي عبدالله الذي يخدم أمه بنفسه، وأخيها الذي يضع النقود في يد زوجته حتى تشتري لأمه ما تريد فتسرق النقود هي معاناة الأنثى الزوجة والأم والابنة حالات ثلاث مؤثرة في المرأة وناعمة في الرجل فهو الأقوى.
داخل النصوص الكاتبة من خلال التفاعل مع الواقع خلقت عوالم وصور قائمة في حياتنا الاجتماعية والجغرافية واتضح ذلك جليا في قصة (جواهر) جواهر تلك القادمة من نجد العذبة والثرية القريبة من الجميع حتى عند الفقد وداخل النص تركيز على جمالية التعبير وبناء الجملة بعد معاناة البحث عن المضمون والشكل.
يقول الدكتور منصور الحازمي (إن الغربة في المدينة لم تعد غربة مادية، غربة البدوي الجاهل أو القروي المعدم كما في أقاصيص إبراهيم الناصر وعبدالرحمن الشاعر - بل هي غربة الفكر وغربة الروح) وهذا نجده في قصص تركية العمري.
ويقول الدكتور طه وادي (الأحداث تقع في الحياة البشرية بطريقة تراكمية متتابعة، لكن الأدب الحديث ليس تصويرا مرآويا مباشرا لما يقع.. وإنما انعكاس إيجابي يقوم على الاختيار والانتخاب وإعادة التنسيق) نحن حيال نميمة أنثى يتضخم عندها الوعي للثورة على التعاسة القائمة على القهر الاجتماعي والاقتصادي لتغرق في متاهات ذاتية تتضح في قصة (القطيع) من خلال المرأة العاملة في المنزل والمزرعة ورعي الغنم والرجل الأمر الذي يستعجل انتهاء العمل (في زيارة عابرة لشبنة ابنة خالة نوضا همست: حظكم ما عندكم نخل. أجابت ابنة خالتها شبنة: لكن عندنا تعب غير، الغنم. أكملت نوضا: كل تعب يهون إلا القطيع وهي تنظر إلى يديه وقدميها اللتين تعبتا من طرق المزرعة) في قصص المجموعة تأتي العقدة متأخرة بالنسبة للقضية المركزية للنصوص وعملها داخل النصوص قليل الأهمية في نصوص تتميز بالتمرد ضمن رؤيا مضطربة في فضاءات تقوم على الصراع من خلال ضمير الأنا ضمير الإنسان المعاصر بغربته وقلقه.
استطاعت القاصة تركية العمري أن تأخذنا إلى عالم واقعي محدود الأبعاد لأن النص القصصي ليس تشكيلا لغويا بدون هدف وإنما هو رؤيا متميزة وكشف من خلال توظيف لغة الحديث اليومي فشخصيات القصص تقوم بدورها من حيث العلاقات رغم تعدده إنما بوجهة نظر واحدة بأسلوب حكائي مبني على جاهزيتها المسبقة وهذا نجده في قصة (بوح من أزمنة الطفولة) وقد تشكل (ذلك الطفل النحيل الأعسر) ليكون الرجل الذي معه (شعرت بفرح يمتزج بخوف يملأ أوردتها) كانت تنتظر وكان يبحث وتشكلت الصورة للإطار ليقول المتلقي النهاية. وعبر وجهة النظر التي تحملها النصوص الملمح العاطفي من خلال الشخصية الرئيسية التي تعاطف القارئ معها من خلال قلقها وتوترها، ينبغي القول إن تركية العمري من خلال هذه القصص تريد قول شيء معين عن اشتعال أنثى وعن احتراق أنثى من خلال ما عندها وفي مخزونها من دلالات الواقع الاجتماعي لتحديد خصوصية المكان لنماذج تنتمي إلى طبقة واحدة تحمل بؤسها وعذاباتها تعطي الهوية لقاصة تكتب بتميز موفق عن همومها الذاتية والموضوعية تتداخل فيها الذات المبدعة بالذات المتلقية عبر نصوص معبرة عن أزمة إنسان واعي بالصراع الذي تعيشه المرأة في زمن ملتبس تدثر بالعري بحثا عن التكامل.
محمد المنصور الشقحاء
مجموعة (احتراقات أنثى) القصصية - إصدار دار المفردات بالرياض عام 1429هـ