أبها - عبدالله الهاجري
تلوح في الأفق بوادر أندثار حرفة فنية رائعة من إبداعات أنامل فتيات منطقة عسير على جدران وأفنية المنازل.
والأدوات.. أقلام رفيعة مصنوعة ذاتياً من رحم الطبيعة, وكذا هي الألوان والصبغات التي تضع الناظرين أمام جماليات معبرة من نقوش وأشكال تزدان بها الأرجاء، وتفوح منها رائحة الأصالة والبهجة, وكما لو أنها تنطق بعبارات الترحيب بضيوف قادمين عبر تناسق بديع للألوان ونقش مريح للنفس والعين.
لقد عرّف أهل المنطقة هذا الفن باسم (القَطْ) بقتح القاف وتسكين الطاء، وهو فن تجيده قلة من النساء ممن يمتلكن مهارات فنية من نوع متفرد تجتمع في أصابع يد كانت هي الريشة والمسطرة والفرجار, وكل ما يحتاج اليه المهندس الرسام في وقت واحد ناثرة في كل الأنحاء خطوطاً من الإبداع وأشكالاً من دفء المشاعر وعبقاً لقطفة من ريحان.
في هذا الفن جال الكثيرون من دول أجنبية داخل منازل المنطقة, وأذهلهم هذا الجمال حتى أن أحد الأوروبيين أصدر عن هذا الفن كتاباً لفرط إعجابه، وقبل بضع سنين أفردت صحيفة فرنسية صفحة كاملة أبرزت فيه هذا النقش العسيري المميز, وأما هنا فإن الدهانات والصبغات الحديثة التي لا تجيد فن المحاكاة فهي ماضية في محاولتها لأن تحل محل فن (القَطْ)؛ وكأني بأحد كبار السن في المنطقة متحسراً على جماليات المنازل القديمة في قرى المنطقة يردد المقولة المعتادة (الله يطعني عن أيام زمان).
ولربما أن في تدريب 14 سيدة على تعلم هذا الفن بإشراف الهيئة العليا للسياحة عليها ممثلة في جهاز التنمية السياحية بمنطقة عسير ما يبعث في النفوس شيئاً من السرور للمحافظة على بعض من ثقافتنا الفنية الجميلة و.. الأصيلة.