من الأدوات المهمة التي لجأت إليها المملكة في سياستها الرامية إلى مواجهة ظاهرة الغلاء التي أصبح يكتوي بنارها أغلب شرائح المجتمع إقرار بدل غلاء معيشة يضاف إلى رواتب موظفي ومستخدمي ومتقاعدي الدولة سنوياً بنسبة 5%.
وعلى الرغم من أن صيغة القرار عند صدوره وحتى في التوضيحات اللاحقة له كانت شاملة لكافة موظفي الدولة العاملين في القطاعات الحكومية، فقد استغربت كثيراً عندما علمت بأن موظفي الدولة العاملين في ممثليات المملكة في الخارج محرومون من هذا البدل، وهو الأمر الذي طرح في ذهني أكثر من علامة استفهام: فهل بدل غلاء المعيشة مقصور على موظفي الدولة الذي يعملون داخلها فقط؟ أم أن السبب يكمن في البدلات التي يحصل عليها الموظف الحكومي الذي يعمل خارج الدولة هي تغنيه عن بدل غلاء المعيشة؟.
كلها تساؤلات ومبررات لا أعتقد أنها كافة لحرمان تلك الفئة من موظفي الدولة من هذا البدل.. فالموظف الذي يعمل في ممثليات المملكة في الخارج أليس هو نفسه موظف الدولة الذي كان يعمل داخلها سواء في وزارة الخارجية أو الداخلية أو التعليم العالي أو غيرها من القطاعات الأخرى؟؟ وفيما يتعلق بالبدلات التي يحصل عليها من يعمل في الخارج فمن المعلوم أن العديد من موظفي الدولة في بعض القطاعات يتسلم من البدلات والمكافآت ما يفوقها ويزيد عليها دون أن يضطر هو وعائلته إلى تكبد مشقة التنقل والسفر والاصطلاء بنار الغربة ومشاكلها.
وإذا جئنا للسبب والغرض الذي من أجله أقر هذا البدل، وهو: ظاهرة الغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة؛ فمن البديهي القول إن هذه الموجة وهذه الظاهرة لا تقتصر على المملكة فقط، بل إنها شملت أغلب دول العالم إن لم تكن كلها، وما حصل في المملكة من غلاء وارتفاع في الأسعار إنما هو انعكاس ومحصلة لما يحدث خارجها؛ فغلاء المعيشة الذي يعاني منه الموظف داخل الدولة يعاني منه أيضاً من يعمل خارجها، بل إن معاناة الأخير قد تكون أكبر وأقسى ولإثبات ذلك يكفي عقد مقارنة بسيطة ما بين تكاليف المعيشة في المملكة ودولة أخرى ولتكن مثلاً (الجمهورية العربية السورية) والتي يعتبرها الكثيرون من الدول رخيصة الأسعار نسبياً؛ ففي (سوريا) يبلغ الإيجار السنوي لشقة مقبولة لا تتجاوز مساحتها ال (140م) في حي يتناسب مع وضع موظف تابع لممثلية المملكة ما يقارب ال (40) ألف ريال كحد أدنى ويسدد شهرياً ما قيمته (700) ريال للكهرباء، ويدفع ما يزيد على (3) ريالات للتر البنزين و (30) ريالاً لتعبئة اسطوانة غاز صغيرة، وذلك مقارنة ب (90-95) هللة للتر البنزين و (15) ريالاً لأسطوانة الغاز هنا في المملكة والمقارنة تطول مع ملاحظة أن هذه المقارنة لم تكن مع إحدى الدول الأوروبية أو الأمريكية أو غيرها من الدول المعروفة بارتفاع تكاليف المعيشة فيها.
كل هذه المعطيات في رأيي تستوجب إعادة النظر في مدى أحقية موظفي الدولة الذين أجبرتهم ظروف العمل على مفارقة وطنهم وأهليهم في الحصول على بدل غلاء المعيشة أسوة بزملائهم من موظفي القطاع الحكومي داخل المملكة، فكلاهما موظف حكومي، وكلاهما يعاني من غلاء المعيشة.
abo-2thman@windowslive.com