ويتواصل حراك ربيع الإصلاح في بلادنا.. ففي يوم أمس الثلاثاء أينعت التجربة السعودية في ممارسة الشورى وقطفنا من بستان الشورى ثمار مسيرة تواصلت ستة عشر عاماً قدمت نموذجاً لهذا الفعل الذي قدمه المسلمون للفكر الإنساني، فالشورى ممارسة حث عليها الإسلام وقننها في القرآن والسنة النبوية، فقد حثت نصوص القرآن على وجوب الأخذ بالشورى من القادة المسلمين وقدم النبي الكريم محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - دروساً حفلت بها سيرته الشريفة للأخذ بهذا النهج الذي إن طبق بالصورة المطلوبة وبالضوابط والمواصفات التي حددها الشرع في هؤلاء الأشخاص وفق التوصيف الفقهي لهذه الجماعة هم (أهل الحل والعقد) وهذا التوصيف يعني أنهم أصحاب العلم والخبرة، والسلوك القويم والذين يتمتعون بالحكمة والنزاهة والساعين لخدمة الأمة.
ولقد تميزت تجربة الشورى في المملكة العربية السعودية، وحققت ما نراه من استفادة كمواطنين؛ لأن الاختيار كان أكثر قرباً من التوصيف الفقهي والضوابط الشرعية، ونحن هنا لا ننافق ولا نجامل، فالأعمال التي أنجزها مجلس الشورى طوال الستة عشر عاماً كفيلة بالرد على كل من يغمز ويلمز، وما نريد تأكيده هنا وهو أنه لا يمكن أن يكون الجميع بمستوى الآمال والطموحات التي سعى إليها ولي الأمر والمواطنون، إلا أن الأشياء تقاس بنجاحها النسبي وما حققته من نتائج، فبالنسبة للقياس النسبي حققت مسيرة الشورى نجاحاً فائقاً تعدت نسبته ما كان مأمولاً منها بل تجاوزت الآمال، أما من حيث النتائج فهي تتحدث عنها نفسها، والاحتكام إلى الأرقام يؤكد هذه الحقيقة فقد ذكر رئيس مجلس الشورى الجديد الدكتور عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ بأن الدورة الأخيرة لمجلس الشورى أنتجت 486 قراراً من خلال 317 جلسة قرارات رفعت إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والذي كما كشف عضو المجلس المهندس عبد المحسن الزكري بأنه وافق على 99% من تلك القرارات والتي رفدت مسيرة التنمية والإصلاح والتطوير في مختلف مجالات النشاط الإنساني، وحركت عمل المؤسسات الحكومية والاقتصادية. فقد تم وضع الكثير من الأنظمة التي عالجت العديد من القضايا كنظام المرور والعقار والمرافعات القضائية، وإقرار الاتفاقيات الدولية، وهذا ما أسهم في تحسين الأداء الحكومي وتحريك فعل منظمات وجمعيات المجتمع المدني، وقد أسهم مجلس الشورى ومن خلال تلك القرارات والأنظمة في تفعيل الحراك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري في المملكة العربية السعودية من خلال وضع القاعدة القانونية بأنظمة مستمدة من الشريعة الإسلامية، ولذلك فإن ما حققته مسيرة الشورى في المملكة هو دعم للفكر الإسلامي المنفتح الذي يتفاعل مع التقدم والتطور الذي يعمل ويسعى إليه المجتمع الإنساني وهو ما نعيشه في ربيع متصل ممتلئ بإضافات الإصلاح والتنوير والحراك الهادف لخير المواطن والوطن السعودي دون إغفال مسؤوليتنا الإنسانية وقبل ذلك العربية والإسلامية وهو ما جسده الخطاب الملكي الذي سيكون منهاج حراكنا التنموي والإنساني لهذا العام.