الجزيرة - عصام علي
حين تهب الرياح وتتناثر ذرات الغبار في المكان نتذكر جميعاً مرضى الربو، وندعو لهم بالسلامة، وألا يتأثروا كثيرا بالأجواء المغبرة التي تسبب الحساسية. لماذا نتناسى أو ننسى الربو ونحاول أن نبقيه في مؤخرة الأولويات الصحية رغم ما يشكله من مخاطر وآثار سلبية قد نكون في غنى عنها لو حاولنا تفعيل الاهتمام به قليلا أسوة بغيره من الأمراض التي نسمع عنها ونراها ونجد أنها تلقى الاهتمام والعناية؟
تؤكد منظمة الصحة العالمية أن الربو مرض مزمن، يصيب القصبات الهوائية، وهي المسالك التنفسية المؤدية إلى الرئتين ومنها. ويعاني حالياً نحو 300 مليون فرد في العالم من الربو، وهو من أكثر الأمراض المزمنة شيوعاً بين الأطفال. وستشهد وفيات الربو زيادة تناهز 20% في الأعوام العشرة المقبلة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة للحيلولة دون ذلك. وعلى الرغم من تعذّر الشفاء من الربو، فإنّ تشخيص المرض وعلاجه وتثقيف المصابين به على النحو المناسب من العمليات الكفيلة بالسيطرة على المرض وتدبيره العلاجي.
وتشير المنظمة التي تتخذ من جنيف مقرا لها إلى أن الربو منتشر في جميع الدول مهما كان مستواها الإنمائي، وأكثر من 80% من الوفيات الناجمة عن الربو تحدث في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان ذات الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط.
ومكافحة الربو بشكل فعّال تتطلب توفير الأدوية اللازمة بأسعار معقولة، وبخاصة للأسر ذات الدخل المنخفض.
ولمعرفة واقع المرض في المملكة أنجزت وزارة الصحة دراسة موسعة هدفت إلى إلقاء الضوء على سلوكيات وتجارب ومدى وعي مرضى الربو داخل المملكة، وشملت 700 حالة مصابة بالربو تراوح أعمارهم ما بين 5 و55 سنة من عدة مناطق في المملكة العربية السعودية، وقد أجريت الدراسة الميدانية من أيلول (سبتمبر) إلى كانون الأول (ديسمبر) لعام 2006م.
سوء تحكم
وأوضحت الدراسة أن 68 في المائة من المرضى يعانون سوء التحكم في المرض، إضافة إلى وجود نسبة وصلت إلى 80 في المائة من الأطفال المصابين استقبلتهم أقسام الطوارئ في المستشفيات السعودية بسبب أزمات ربوية خلال العام السابق للدراسة.
ومقارنة بدراسة مماثلة أُجريت في أوروبا تبين أن نسبة المرضى الذين يعانون مشكلات في النوم بسبب الربو تصل إلى 53 في المائة للبالغين و52 في المائة للأطفال، بينما تبلغ النسبة في أوروبا 35 في المائة للبالغين و31 في المائة للأطفال، كما يقول الدكتور خالد بن عبدالرحمن الحسين المدير العام للإدارة العامة للتموين الطبي في وزارة الصحة - المدير التنفيذي للدراسة.
وخلصت الدراسة إلى التوصية بأهمية وجود برنامج شامل للنهوض بأنشطة التحكم في الربو؛ وذلك بهدف الحد من الآثار السلبية للمرض، التي تحد من قدرة المرضى على ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي.
خسائر اقتصادية
ويترك الربو آثاراً متعددة المستويات على الأفراد والمجتمع والإنتاج؛ فمن خلال الدراسة التي أعدتها وزارة الصحة تبين أن مستوى العمل يتراجع بين النساء المصابات بالربو بـ38% وعند الرجال بـ24%، وكذلك الأمر بالنسبة للواجبات المنزلية التي تتراجع بـ46% عند النساء، ويشمل التأثير: النوم والأنشطة الاجتماعية ونمط الحياة إلى جانب المجهود العضلي. ووفقا للدراسة فقد بلغت تكاليف العلاج للمصابين بالربو في المملكة خلال مدة الدراسة 1.512.893.154 ريالا. ويوضح الجدول رقم 1 تكاليف العلاج:
وتؤدي الإصابة بمرض الربو إلى تفاقم تكاليف العلاج الطبي وتدهور الحالة الصحية العامة وتعسر التحصيل الدراسي والأكاديمي وكذلك زيادة نسبة الغياب عن العمل، كما أنه وفي كثير من الأحيان يكون الربو سببا في رداءة النوم والأرق المزمن بسبب نوبات السعال وضيق التنفس التي تنتاب ما يقرب من 70% من المصابين به بمعدل أقله نوبة واحدة في الأسبوع.
ومن الأعباء الاقتصادية غير المباشرة على الطالب والموظف يلاحظ التغيب عن العمل أو الدراسة، وبحسابها بمعادلة رياضية فإن التكاليف غير المباشرة ترفع الأعباء الاقتصادية للربو في المملكة إلى حوالي 3 بلايين ريال سعودي سنويا.
أعراض الربو
يتم تعريف الربو بأنه مرض صدري مزمن تصاب به الرئتان؛ حيث تضيق به مجاري الهواء التي تحمل الهواء من وإلى الرئة. ومجاري الهواء في الشخص المصاب بالربو تكون شديدة الحساسية لعوامل معينة تسمى المهيجات triggers، وعند إثارتها بهذه المهيجات تلتهب مجاري الهواء وتنتفخ ويزيد إفرازها للمخاط وتنقبض عضلاتها ويؤدي ذلك إلى إعاقة التدفق العادي للهواء، وهذا ما يسمى بنوبة الربو asthma.
ويقول الدكتور أيمن بدر كريم استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم إن بعض المهيجات والعوامل تتسبب في نوبات الربو الحادة؛ ما يستدعي في كثير من الأحيان زيارة الطبيب بصورة عاجلة أو التدخل الطبي من خلال تقديم العناية الطبية الطارئة في المستشفى، ومن ضمن هذه العوامل التعرض للغبار ودخان السجائر والبخور والعطور القوية وغبار الطلع خاصة أثناء فصل الربيع وكذلك الإصابة بنزلات البرد وغيرها. ويضيف: يشعر المريض بتحسن نسبي في حالته الصحية وندرة الأعراض المصاحبة للربو؛ ما يشجعه على ترك العلاج تماما وعدم الاهتمام بتجنب الأسباب المساعدة على تهيج الشعب الهوائية؛ السبب الذي يؤدي إلى معاودة النوبات الحادة وانتكاسات تنفسية متكررة.
وهناك نوعان أساسيان من الربو: ربو خارجي المنشأ (من الحساسية)، وربو داخلي المنشأ (لا يثار بالحساسية). ويمكن أن يكون الشخص مصابا بالنوعين معا، وهو خليط من الربو الخارجي المنشأ والداخلي المنشأ. وأعراض الربو معروفة، وهي كما يقول الدكتور صلاح محمد استشاري الأمراض الصدرية: تشمل السعال وضيق التنفس والصفير إلى جانب بلغم ببعض الأحيان. والأعراض تكون أشد في الليل والصباح الباكر وعند التعرُّض لمهيجات كالغبار والبخور والدخان والمنظفات والهواء المحمَّل بحبوب اللقاح. وتزداد الأعراض عند التعرض للهواء البارد وبعد التمارين البدنية، وقد تلعب الوراثة دوراً في الإصابة بالربو؛ حيث يلاحظ وجود استعداد وراثي عند بعض الأشخاص للإصابة بالمرض.
تصنيفات
يؤكد الدكتور غزوان الفحلة أنه يتم تصنيف مسببات الربو تحت أربعة بنود:
1- الحساسية والربو: الحساسية والربو غالبا ما تحدث معا. في الواقع، الحساسية والربو (الحساسية التي يسببها الربو هي أكثر أنواع الربو في الولايات المتحدة. نفس المواد التي تثير الحساسية يمكن أيضا أن تؤدي إلى أعراض مثل الربو وضيق التنفس والصفير وضيق في الصدر، مثل: غبار الطلع (حبوب اللقاح)، وبر الحيوانات الأليفة، حساسية غذائية).
2- ممارسة الأنشطة الرياضية الهوائية: الركض أو لعب كرة السلة والهوكي أو كرة القدم، وكذلك رفع الأثقال، رياضة الغولف، وتيرة معتدلة أو المشي. والسباحة؛ نظرا إلى ارتفاع الرطوبة قرب المياه، هذا ما يفسر كثرة تعرض الأطفال للربو لأنهم أكثر نشاطا من الكبار.
4- نوبات الربو التي يسببها البرد أو الإنفلونزا، أو التهاب الحلق والسعال الناجم عن البرد. وحتى الالتهابات البسيطة في الجهاز التنفسي يمكن أن تعني مشاكل كبرى مثل الصفير وضيق الصدر التي تستمر لعدة أيام أو حتى أسابيع.
3 - الربو المهني: يمكن أن يحوي مكان العمل أكثر من 250 من المواد التي تسبب الربو المهني، وتكون من أحد الأصناف الستة التالية:
* المواد الحيوانية: وتشمل هذه البروتينات الموجودة في الوبر، والشعر، والجداول، والفراء.
* المواد الكيميائية: التي تستخدم في صنع الدهانات والأصباغ، والمواد اللاصقة، ومن الأمثلة الأخرى للمواد الكيميائية التي استخدمت لصنع المواد العازلة ومواد التغليف والتعبئة، والرغوة والمراتب والمفروشات.
* الإنزيمات: وهي تستخدم في المنظفات، والدقيق وأجهزة التكييف، والصناعات الدوائية.
* المعادن: الأكثر إثارة للجدل وتشمل البلاتين والكروم والنيكل.
* المواد النباتية: وتشمل هذه البروتينات الموجودة في المطاط الطبيعي، والدقيق والحبوب والقطن والكتان والقنب والقمح.
* مخرشات التنفس: ومن الأمثلة على ذلك غاز الكلور وثاني أكسيد الكبريت والدخان.
وبشكل عام هناك عدد من العوامل التي قد تزيد من فرص الإصابة بالربو، وتشمل:
* إصابة أحد الوالدين أو كليهما بالربو.
* يعيش في منطقة حضرية كبيرة، وخاصة وسط المدينة، التي قد تزيد من التعرض للملوثات البيئية.
* التعرض للتدخين السلبي.
* التعرض لمحفزات مهنية، مثل المواد الكيميائية المستخدمة في الزراعة، وتصفيف الشعر، والطلاء والحديد والصلب والبلاستيك والإلكترونيات.
* التهابات الجهاز التنفسي عند الأطفال، وانخفاض الوزن عند الولادة، والبدانة.
العلاج والتعايش
ويهدف علاج المصابين بالربو إلى أن يمارسوا حياتهم بشكل عادي إلى جانب الحفاظ على الرئة وتجنب التغيب عن العمل والدراسة، وهو ينقسم إلى علاج وقائي وإسعافي. وتعد البخاخات أهم الأدوية في علاج الربو إلى جانب بعض الحبوب وأنواع الشراب، ويدخل فيها غالبا مشتقات الكورتيزون.
ولأن الربو مرض مزمن يمكن السيطرة عليه، فعلى كل مصاب ألا يهمله أبدا وأن يتابع مع طبيبه ويلتزم بما يطلبه منه للسيطرة على المرض ويفضل أن تتم معرفة مهيجاته والابتعاد عنها وخاصة الابتعاد عن أماكن التدخين وتلك التي يكثر فيها الغبار الحدائق أثناء موسم تلقيح الأشجار، إضافة إلى تجنب الانفعالات النفسية الزائدة.
ربو الأطفال
تشاهد معظم حالات ربو الأطفال في السنوات الأولى من العمر، وتسمى أحيانا نوبة الوزيز المتكرر، وهي التسمية الأدق للحالة، ونادرا ما يستمر الربو مع الطفل عندما يكبر.
ويصاب طفل واحد من كل عشرة أطفال بالربو خلال الطفولة وهنالك ازدياد في حالات الربو في جميع أنحاء العالم. وكما يقول الدكتور صالح علي الشهري استشاري طب الأطفال فإن الربو يحدث نتيجة لوجود استعداد شخصي للتحسس في القصبات بآلية مناعية معقدة تؤدي إلى حدوث التهاب وتضيق وزيادة في المفرزات القصبية، وقد يكون هذا الاستعداد وراثيا. ويعد الرشح من أهم العوامل المسببة للإصابة إلى جانب الدخان والهواء البارد والهواء الملوث وغبار المنزل والحيوانات المنزلية.
ويؤدي تضيق القصبات وتهيجها إلى شعور الطفل بضيق نفس والسعال وأحيانا تسرع التنفس واللهاث، وتختلف شدة المرض من طفل لآخر.
وبعض الأطفال المصابين بالربو الخفيف يصابون بنوبة متباعدة والبعض يصاب بنوبة موسمية والبعض يصاب بنوبة متقاربة وشديدة.
ويتمثل العلاج كما يقول الدكتور الشهري في الوقاية من مسببات المرض وتجنب الرشح قدر المستطاع وإبعاد الطفل عن الأشخاص المصابين بالرشح وعدم التدخين في المنزل حتى عند غياب الطفل وتجنب غبار المنزل وإبعاد الطفل عن الحيوانات المنزلية والأفضل عدم وجودها في المنزل.
وأما العلاج الدوائي فيكون عبر موسعات القصبات التي توجد بعدة أشكال من الرذاذ أو البخاخ.
كرسي بحث للربو
أعلنت جامعة الملك سعود إنشاء كرسي أبحاث الربو، وتمكن الكرسي من استقطاب البروفيسور ستيفن هولفيت من جامعة ساوث هامبيتون ببريطانيا والحائز جائزة الملك فيصل العالمية في الطب لعام 1999م. وهو ساعد في اكتشاف الأسباب المؤدية إلى مرض الربو واكتشاف بعض الطفرات الجينية المصاحبة لهذا المرض ونشر أكثر من ألف بحث علمي في مجالات علمية مرموقة. وقام كرسي الأبحاث بالجامعة بإجراء بعض الأبحاث وتدريب الطلاب والطالبات في الدراسات العليا على أبحاث الربو.
يوم عالمي
يحتفل العالم باليوم العالمي للربو في الثلاثاء الأول من شهر مايو كل عام؛ حيث تحرص منظمة الصحة العالمية على التعريف بهذا المرض وسبل الوقاية منه وعلاجه ونشر المعرفة والثقافة الصحية المتعلقة بمرض الربو وتوجيه العاملين في المجال الصحي إلى أفضل وأحدث الطرق لعلاج مرض الربو بناء على الدلائل والبراهين العلمية. وخصصت شعار هذا العام ليكون (يمكن التحكم بالربو) حيث ستقام أنشطة متعددة تخدم الهدف الأساسي له.
وتشارك المملكة العالم الاحتفال بهذا الحدث الصحي المهم، وانطلاقا من استشعار هذه الأهمية أطلقت وزارة الصحة البرنامج الوطني للتحكم التام في الربو (2020) (نسمة هوا)، وتتلخص أهدافه في السيطرة الكاملة على مرض الربو من خلال خطة بعيدة المدى وضعتها الوزارة للوصول إلى هذا الهدف بحلول عام 2020 ميلادي. ويعمل البرنامج على التوعية لكافة شرائح المجتمع من تلاميذ في المدارس وموظفين في الدوائر الحكومية أو القطاع الخاص أو ربات المنازل والعاملين في المواقع الإنتاجية المختلفة، وسيستخدم في هذه البرامج كل وسائل الاتصال المباشرة وغير المباشرة للوصول إلى المواطن وإيصال الرسالة المنشودة من قبل الوزارة للتوعية بمرض الربو والطرق الملائمة للحد من آثاره السلبية في الفرد والمجتمع.
كما تم البدء في تنفيذ برنامج تعليمي عن مرض الربو يستهدف أطباء الصدر في المملكة ويتم بالتعاون مع أساتذة جامعة (ماكجيل) الكندية، ويهدف إلى التأكيد على الفهم الصحيح لمختلف جوانب مرض الربو وتداعياته، إضافة إلى توعية الأطباء بأحدث المعايير العالمية الخاصة بالسيطرة التامة على المرض.
والبرنامج يقدم الأنشطة التي تهدف إلى التوعية التامة بكيفية التعامل مع المرض بشكل صحيح. كما يستهدف افتتاح 40 عيادة متخصصة في مرض الربو، خلال عامي 2008 و2009 في مستشفيات وزارة الصحة. وهدفها توفير الحد الأقصى للخدمة الطبية المتخصصة لمرضى الربو. وهذه العيادات المتخصصة مع مركز معلومات الربو، يمثلان منظومة متكاملة للتحكم التام في مرض الربو، من خلال تقديم الخدمات الإرشادية، إضافة إلى الخدمات الطبية للتحكم بالربو.
***
المراجع:
1- جريدة الجزيرة العدد 13009، و13208
2- موقع وزارة الصحة السعودية
3- موقع منظمة الصحة العالمية
4- موقع المكتب الإقليمي لشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية
5- موقع صحة