لا بد إن أردنا أن نتخذ موقفاً من ظاهرة ما أن نقوم بدايةً بدراستها وتحليلها وقياسها والوقوف على أبعادها ونتائج تلك الدراسات والتحاليل لمعرفة مدى الضرر أو النفع الذي يحدثهما وجودها، ثم نقوم بعد ذلك باتخاذ الخطوات الكفيلة بإبقاء تلك الظاهرة.....
..... بل وتدعيمها والعمل على تطويرها وزيادتها وحث الآخرين بكل السبل على الحرص على وجودها إن كانت إيجابية وبقاءها يعود بنفع ما، أما إن كانت سلبية فالعكس صحيح، فنقوم بالعمل على اتخاذ كل ما من شأنه إبعادها وضمان عدم حدوثها مستقبلاً ضمن خطة عمل محكمة لضمان عدم وقوع ضرر ما جراء ذلك إلى جانب ضمان تنفيذ تلك الخطة للوصول للهدف المنشود.
ظاهرة الهجرة من القرى والهجر والمناطق النائية إلى المدن الكبيرة هو حق مشروع للمواطن وهدف يتسابق إليه جميع ساكني تلك المناطق حيث رغد العيش وتوافر فرص العمل والتعليم وخلافه، لكن إن تم توفير ما يبحث عنه المواطن في تلك المناطق لم يعد بحاجة للهجرة وينتفي سبب بحثه عنها.
الموضوع ليس بالسهولة التي يراها البعض ولست بصدد بحث ما تخلفه تلك الهجرة من أضرار عامة لجميع المشتركين في فعلها فقد أُشبعت بحثاً وكتابةً ولم يعد الحديث عن أضرارها ذو فائدة، لكن في ذات الوقت يجب عدم إغفالها بل يجب العمل على تكثيف الجهود للتصدي لها والحد من حدوثها.
هذه الظاهرة في تنام ملحوظ وستزيد بشكل مرعب ومخيف خصوصاً إذا علمنا أن أكثر من نصف الشعب السعودي هم من الشباب صغار السن الذين سيبذلون أقصى جهد لحصولهم على أفضل مستوى علمي وعملي، والمشاريع التي أسس لها خادم الحرمين الشريفين وتوجهه وتوجيهه المستمر بضرورة القيام بتنمية شاملة على جميع الأصعدة في تلك المناطق لهو عامل في غاية الأهمية لإيقاف زحف الشباب باتجاه المدن الكبيرة.
لكن يظل ذلك المجهود وذلك التوجيه بحاجة لدعم جهات أخرى يناط به التحرك فوراً لمواجهة هذا الخطر القادم وحتى لا يظن القارئ الكريم أني أبالغ أدعوه أن يتفضل لقراءة الكثير من الإحصائيات حول الخدمات التي تمس المواطن ونسبها إلى أعداد المواطنين في المدن الكبيرة ويمكن أن يستقي ذلك من خلال بحث بسيط يجريه عبر الشبكة العنكبوتية، وتلك الإحصائيات تشير بشكل واضح إلى خطر حالي وواقع من خلال احتياج المدن الكبيرة إلى زيادة واضحة وملحة للخدمات في جميع أشكالها وأنواعها ولكم أن تتصوروا الحال بعد عدد بسيط من السنوات عندما يتضاعف أعداد قاطني تلك المدن سواءً من المهاجرين من تلك المناطق البعيدة وما يتبعهم من عمالة وافده كسائقين وخدم منازل لاحقاً، أو حتى استمرار تدفق العمالة الأجنبية بجميع أنواعها.
الخطر قادم ولا شك في ذلك وعلينا أن نتنبه له جيداً، علينا أن نقوم بدراسته والتخطيط لإيقافه من خلال تقديم عدد من الآليات التي تضمن حصول مواطني تلك المناطق على حقوقهم العلمية والصحية والخدماتية والعملية وتضمن من ناحية أخرى استمرار المؤسسات الخدمية في المدن الكبيرة وعدم انهيارها جراء عدم قدرتها على تقديم خدمات لمواطنين تفوق أعدادهم طاقاتها وقدراتها.
أعتقد أن الحل الوحيد لذلك هو إناطة دراسة هذه الظاهرة إلى جهة رسمية واحدة أو تشكيل جهة لذلك تقوم على تحليل تلك الظاهرة وبيان مضارها على المدى القريب والبعيد ودراسة قدرة المؤسسات الخدمية في المدن الكبرى على تقديم خدماتها حالياً ولاحقاً كما وقياس مدى توافر الخدمات التي يبحث عنها المهاجر في منطقته الأم ومن ثم وضع آليات من شأنها القضاء على تلك الظاهرة بشكل نهائي ضمن إطار واقعي ومنطقي مدروس وقابل للتطبيق.
dr.aobaid@gmail.com