Al Jazirah NewsPaper Thursday  12/03/2009 G Issue 13314
الخميس 15 ربيع الأول 1430   العدد  13314

هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : تحديات وآمال
د. عبد المجيد محمد الجلاَّل

 

أخذت (حزمة التغيير والتطوير) - التي جرت مؤخراً - وشملت بعض أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع، مساحة واسعة في التغطية الإعلامية والفكرية، شاركت فيها عينات مختلفة من الشرائح والنُّخب المجتمعيةواعتبرت أول إجراء إصلاحي كبير في عهد

...الملك عبد الله منذ أن اعتلى عرش هذه البلاد في صيف عام 1426هـ. كما اعتبرت كذلك انطلاقة أساسية لنشر ثقافة المجتمع المدني، وتحسين بنيته الخدمية والعدلية، والتنظيمية، ورفع كفاءة وسائطه ومخرجاته..

في استقراء عام لجانب من هذه التغطية الإعلامية، بما يخص تحديداً، جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعيين قيادة جديدة على رأس هذا الجهاز، يلاحظ تنوّع التحليل والرؤية، وتباين الرأي والفكرة، بما يتعلّق بأهداف التغيير وآفاقه وأبعاده، ونتائجه المتوقعة أو المطلوبة.

دون خوضٍ في التفاصيل، وتحليل ما بين السطور، فإنَّ المنطق، والنقاش الموضوعي، يفرض على المتعاطين في هذا الشأن تجنب المبالغة في إجراء تحليلات، وبناء نتائج افتراضية تتجاوز مساحة هذا التغيير وآفاقه، ولا تخدم أهداف تطوير هذه المنشأة الاجتماعية المهمة، لتمكينها من أداء وظائف الحسبة المنوطة بها بأقصى فعالية ممكنة. ودون خوضٍ كذلك في تفاصيل هذه التحليلات الافتراضية، ليسمح لي القارئ الكريم بأن أضع بين يديه انطباعات عامة من وحي قراءتي المتواضعة لهذا التغيير الذي طال قمة الهرم الإداري في جهاز الهيئة، وذلك وفق النقاط التالية:

* اهتمام الدولة بدعم جهاز الهيئة وتطويره، وتضمين هذا الاهتمام في النظام الأساسي للحكم، وتحديداً في المادة الثالثة والعشرين منه والتي جاء فيها (تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله). فضلاً عن إيمان السواد الأعظم من سكان هذه البلاد المباركة بأهمية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنَّها ركن أساس في منظومة الأمن الأخلاقي المجتمعي، والخط الدفاعي المتقدم للتصدي للمنكرات والفوضى السلوكية.

* من الأدوات الأساسية في علم الإدارة التغيير المبرمج للقيادات الإدارية في المنشآت العاملة، بقصد توفير بيئة مؤسسية وإدارية على قدر عالٍ من الكفاءة، قادرة على تحقيق أقصى درجات الفاعلية في منظومتها الخدمية والإنتاجية. ومن ثمَّ فإنَّ التغيير الذي طال قيادة جهاز الهيئة يصبُّ في هذا الاتجاه، ويعكس إرادة الدولة في الأخذ بأساليب الإدارة الحديثة.

* من أبرز القضايا المطروحة على صعيد تطوير عمل جهاز الهيئة، والرفع من شأنه، ما يتعلق بنظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الصادر في عام 1400هـ، ولائحته التنفيذية الصادرة في عام 1407هـ، إذ تبدو الحاجة الفعلية والفنية إلى إعادة تنقيحهما، والأخذ في الاعتبار بقواعد نظام الإجراءات الجزائية الصادر في عام 1422هـ، والنظم الأخرى ذات الصلة. مع التأكيد على أهمية النظر بمسائل تداخل الصلاحيات، وتشابك الاختصاصات.

* المسألة الأهم، والركن الأساس في ثقافة الحسبة، تكمن في أساليب التعامل وإجراءات مباشرة المهام، بما يكفل استيفاء ميزان العدل والقسط في كل الإجراءات المتبعة، ويحفظ للمتهمين أو المضبوطين، وغيرهم، حقوقهم الإنسانية، وكرامتهم الشخصية، وخصوصياتهم الذاتية. ولعلَّ من أبرز مفردات أساليب التعامل المطلوب ترسيخها داخل فكر رجال الميدان: حُسن الظن، واستعمال الرفق واللين والحكمة، والتحلِّي بقواعد الانضباط وفق النظم واللوائح والتعليمات الصادرة، والنأي عن كل الأساليب المخالفة لها، مثل: أساليب: المطاردة، والتجسس، والأخذ بالشبهة، ونحوها، بما قد يؤدي إلى إشكالات قد تمس بحياة الإنسان وحقوقه المكفولة له شرعاً ودستوراً. ومن ثمَّ تبدو أهمية تفعيل بوابتي: الرقابة والمحاسبة بصورة صارمة لمعالجة كل التصرفات والاجتهادات والأساليب التي تنتهك مبادئ حقوق الإنسان وخصوصياته.

* من عناصر نجاح أية منشأة إدارية في إدارة أعمالها، وتحسين نوعية خدماتها ومنتجاتها، استنادها إلى نظام التخطيط العلمي بأدواته وأساليبه المعتبرة، وأبرزها (الإستراتيجية) التي تستشرف آفاق المستقبل برؤية منهجية، ذات أهداف وسياسات وبرامج محددة، تغطي فترتها الزمنية التي لا تقل عن عشر سنوات، وقد تصل إلى عشرين عاماً في الغالب. وجهاز الهيئة يعد حالياً إستراتيجية للتطوير الشامل للسنوات العشر القادمة، بهدف تحقيق نقلات نوعية في منظومته الإدارية والميدانية، والرفع من كفاءة منسوبيه، عبر تنفيذ سياسات تطوير طموحة تتضمن العديد من برامج التدريب المتخصصة والمتنوعة، بهدف صقل مهارات العاملين، ورفع قدراتهم الفنية، والعلمية، والشرعية، واستيعاب المزيد من العلوم أو النظم ذات الصلة بفقه الحسبة، مثل علم الجنايات، ونظام الإجراءات الجزائية، إضافة إلى عقد دورات لهم في مجال العلاقات الإنسانية، وأساليب التعامل الملائم، وقواعد الانضباط. ومن البرامج كذلك ما يتعلّق بتأهيل المدربين، والقيادات، وتوسيع دائرة التواصل الإلكتروني، ونشر المعرفة، وتقنية المعلومات، لتفعيل علاقات الهيئة المجتمعية، والإعلامية منها على وجه الخصوص.

هذه الإستراتيجية تحتاج بالقطع إلى وعاء محدد يسمح بتنفيذ ما احتوته، من أهداف وسياسات وبرامج، بمنهجية علمية، وبعناصر كمية متسقة ومترابطة، هذا الوعاء يتمثّل في الخطة التشغيلية، فهي الإطار الفني المرحلي للتنفيذ، ولها فترة زمنية معينة، تُحدَّد في الغالب بخمس سنوات، ويطلق عليها الخطة الخمسية.

يترتب على ذلك أهمية العناية بتوفير المخصصات المالية الكافية، والدعم الفني اللازم، لترجمة بنود هذه الإستراتيجية في خطط تشغيلية خمسية، تأخذ في الاعتبار عناصر التطوير الأساسية بشقيها البشري والمؤسسي. ولعلَّ معالي الرئيس العام الجديد يجعل هذا الأمر في سلم أولوياته.

* لما كان الإعلام بكل وسائطه وأدواته، من أبرز العناصر ذات التأثير المباشر على مختلف شرائح المجتمع، وفي سبيل فهمٍ أفضل لرسالة الهيئة، والتقليل النسبي من التجاذبات الإعلامية الدائرة حيال مهامها، فقد يكون من الملائم النظر في دعم فكرة إنشاء قناة فضائية متخصصة تُعنى بنشر ثقافة الاحتساب، والانفتاح على القاعدة المجتمعية لتجسير الأفكار والرؤى، وتوسيع عناصر الالتقاء والتقاطع والاتفاق، وتضييق عناصر الخلاف والاختلاف، ومناقشة المقترحات والشكاوى، بما يساعد على تفهم المجتمع لرسالة الهيئة، وتفهم الهيئة لطبيعة المجتمع وتنوعه الثقافي والفكري.

إنَّ طبيعة التحولات الديموجرافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، للدولة والمجتمع السعودي، ووضعية الانفتاح الراهن على الثقافات الأخرى، والتأثيرات المحتملة لهذا التمازج والتنوع الحضاري والثقافي، وانعكاس ذلك كله على طبيعة الحراك الاجتماعي والثقافي داخل المجتمع السعودي، والذي أضحى أكثر تقبلاً للتنوع الفكري والثقافي، وأكثر تأثراً بالمنتج الثقافي الوافد. كل ذلك يستلزم بالتأكيد إعادة صياغة لثقافة الحسبة بما يكفل إنجاز رسالتها في حراسة الفضيلة على أكمل وجه، والمحافظة في الوقت نفسه على التفاعل والشراكة القائمة بينها وبين شرائح المجتمع المختلفة، في سبيل تعزيز مكانة هذه الرسالة وقيمتها السامية.

إنَّ الآمال كثيرة، والتحديات كبيرة، وأمام معالي الرئيس العام الجديد جدول حافل بالأعمال والمهمات، فكان الله في عونه.

من مأثور الحِكم:

فَاسْتَعِنْ بِالرِّفْقِ إِنْ رُمْتَ صَعْباً

رُبَّما يَسْهُلُ بِالرِّفْقِ صَعْبُ


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد