لا كأس فارغة حتى وإن كانت خالية من السوائل إذ إن خلوها من السوائل يعني أنها مملوءة بالهواء، وهذه حقيقة فيزيائية تنطبق تماما على البشر إذ لا عقول فارغة، فالعقول التي لا تملأ بالفكر السليم والمعلومات الصحيحة ستكون مملوءة بخلاف ذلك، وهو ما يجعل أصحابها يشكلون مواقف واتجاهات خاطئة تفضي لسلوكيات وتصرفات لا تأتي بخير إن لم تأتي بما هو عكسه.
لا اقتصاد دون رجال أعمال على اعتبار أن رجال الأعمال سواء انطلقوا مما يملكون من مال أو مما يملكون من معارف ومهارات وخبرات هم من ينشئون الأسواق ويطورون أعرافها حتى تتدخل الحكومة من خلال مؤسساتها المنظمة لتنظيم تلك الأسواق وحماية المتعاملين بها بالشكل الذي يجعلها محفزة للمزيد من المستثمرين لتنميتها وتطويرها بما يجعلها أسواقا ناضجة ومتكاملة قادرة على توفير السلع أو الخدمات بجودة لا تقل عن الجودة المعيارية بل تفوقها وبأسعار متناولة من الفئات الاقتصادية المستهدفة.
قيام الجهات الحكومية المنظمة للأسواق أي كانت بتنظيمها وحماية المتعاملين بها من خلال إصدار الأنظمة واللوائح وتطوير الإجراءات بكافة صورها وأشكالها لا يعني أن القائمين عليها هم من يقومون بصياغة ذلك كله، إذ إنهم عادة ما يكونون من خارج الأسواق التي ينظمونها، وبالتالي فهم في بُعد كمي ونوعي عن فكر هذه الأسواق وانجازاتها وتطلعاتها ومتطلبات تطويرها، وهو ما يستدعي تدخل رجال الأعمال القائمين على الشركات القيادية والريادية العاملة في هذه الأسواق كشركاء لهذه الجهات المنظمة في صياغة الأنظمة واللوائح والإجراءات لتكون في أمثل صورة قابلة للتطبيق ومحفزة لتلك الأسواق لتقوم بالدور المناط بها في التنمية الشاملة والمستدامة المستهدفة.
حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله دعت مجتمع الأعمال لشراكة حقيقية معها لتحقيق الخطط التنموية المستهدفة، وحثت كافة أجهزتها ومؤسساتها لإشراك رجال الأعمال في صياغة أنظمة ولوائح وإجراءات أسواقهم بما يدفع بها قدما إلى الأمام، بل إن حكومتنا الرشيدة طورت ونفذت كثيرا من البرامج الداعمة لمجتمع الأعمال السعودي لتطوير منشآت اقتصادية عملاقة في كافة القطاعات يمكن لها أن تكون الشريك المنشود القادر على طرح الفكر المستند إلى المرجعيات العلمية والدراسات والبحوث والمعزز بالنماذج التطبيقية الناجحة المقنعة المحفزة للجهات الحكومية المنظمة للتعاون معها لتطوير الأسواق.
بعض رجال الأعمال أدركوا هذه القضية فشرعوا بضخ الفكر جنبا إلى جنب مع ضخ المنتج والخدمات فحققوا نجاحات كبيرة بالتعاون مع الجهات المنظمة التي تحترم فكرهم وتجربتهم وإنجازاتهم بل وحتى تطلعاتهم في تنظيم أسواقهم بالشكل الأمثل، البعض الآخر من رجال الأعمال اكتفى بضخ المنتج والإنجاز وهو ما يملأ نصف الكأس، وترك ضخ الفكر المعزز بالنماذج ما أدى إلى تقدم غيره ممن لا فكر متميز أو ريادي له ليعلب هذا الدور ما أفضى إلى عراقيل لا تعد ولا تحصى في السوق التي ينشط بها، وبظني أن ذلك يستدعي أن يعيد رجال الأعمال موقفهم حيال ملئ الكأس كاملة بما في ذلك ضخ الفكر السليم والذود عنه، وإلا تدخل الغير وملأها حيث لا كأس تبقى فارغة بحال من الأحوال.
alakil@hotmail.com