المعروف عن سماحة المفتي العام، فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، لين الجانب والبشاشة لزائريه، وما أدل على ذلك إلا مجالسه العلمية الخيّرة التي تتكرر في أوقات مختلفة، يحضرها طلبة العلم من مختلف الأعمار، فهذا يقرأ عليه في السيرة النبوية وآخر في صحيح مسلم وثالث في متون أخرى،
وفي واحدة من تلكم الجلسات عرضتُ على فضيلته بعض الموضوعات التي يتناولها، من بين فينة وأخرى، كاتب هنا وآخر هناك. وجاءت إجابات فضيلته واضحة ومختصرة، أتناولها لتعميم الفائدة، وبدأت مع فضيلته على النحو الآتي:
هل لي أن اقتطع جزءاً من وقتكم الثمين لأعرض على سماحتكم بعضا من القضايا الاجتماعية منها والشرعية والاقتصادية؛ لمعرفة رأيكم وتوجيهاتكم حولها، والمعروف عنكم تبسيط المعقد من القضايا لكي يتم إدراكها من عامة الناس؟ سماحة الشيخ يطرح بعض الكُتّاب قضايا متعددة منها، على سبيل المثال لا الحصر:
1- مفهوم (الأدلجة)، من يتناوله يقصد به الأفكار والأيديولوجيات المرتبطة بالأمور الدينية والعقدية، وكثيرا ما يطرح المفهوم من قبل شرائح من المجتمع: المثقفين، الكُتّاب، المؤلفين. ولقد ذكر الشيخ في هذا الشأن أن عمل ابن آدم دنيوي وأخروي ويرتبط العملان بعضهما الآخر، ويرتبط العمل الأخروي على وجه الخصوص بالعقيدة وآداب الإسلام وأخلاقه وتعاليمه، وأي عمل لا بد أن يكون أساسه المعتقد النقي الصافي، وإذا كانت الأدلجة موضوعة فإن دين الله وحي منزَّل على رسله وأنبيائه، وشتان بين الأمرين.
2- مصطلح (الإسلاميين)، وينعت المستخدمون له كل من ينظر إلى قضايا المجتمع أو الدولة بالمنظور الإسلامي، ما توجيهات سماحتكم حول ذلك؟ أجاب: نحن مسلمون، ومصطلح الإسلام هو الذي يضع الأمور في مواضعها، أما مصطلحات مثل الإسلاميين فهي قابلة للأخذ والرد وترجع إلى أشخاص، أما الإسلام فمرده إلى العقيدة، عقيدة التوحيد الخالصة من شوائب البدع والشبهات.
3- الحوار مع الشباب، لا بد من قنطرة تربط بين هذه الشريحة من المجتمع وبين المشايخ وطلبة العلم، لشرح المفاهيم ولمعرفة ما يدور في رؤوس الجيل الجديد من قضايا. ويرتبط بهذا سؤال أطرحه على فضيلتكم: هل ترون أن ثمة حاجزا نفسيا يقف حجر عثرة بين العلماء وسائر الناس، وعلى وجه الخصوص الشباب منهم، مثل هذا الحاجز ذلكم الذي بين الآباء والأبناء، أكثر من أي شيء آخر، فما السبيل لتخطي هذا الحاجز، إن وجد؟ ويجيب الشيخ بأنه لا يرى وجود أية حواجز، والعلماء متواجدون ومستعدون للحوار مع من يريد لتبسيط الأمور للناشئة.
4- ربط الإرهاب بالتشدد الديني وبالمناهج الدراسية في التعليم العام، في كتاب أصدره أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو روبرت بيب، وعرضته صحيفة (نيويورك تايمز) منذ بضع سنوات مضت، أثبت فيه مؤلفه أن الإسلام لا علاقة له بالعمليات الإرهابية، بل إن الظلم والمهانة اللذين ينزلهما الاحتلال بالناس هما السبب في ذلك، أما ما يضاعف الفجيعة أن بعضاً من العرب استخدموا اللغة نفسها، وباتوا يرددون في كتاباتهم مصطلحات مثل: (العنف الإسلامي) و(الإرهاب الإسلامي)، دونما الإشارة إلى حقيقة المشكلة التي سلط الضوء عليه الباحث الأمريكي. يرى سماحة المفتي أن الإسلام لا علاقة له بالإرهاب، بل إن الإسلام كله خير ورحمة، وما ينسب إلى الإسلام لا يمثل سوى ادعاءات كاذبة فاجرة.
5- يطرح مصطلح (التنوير) في بعض الكتابات الصحفية، وحسب معرفتي هو مصطلح غربي المنشأ، يقابله كما يعلم سماحتكم، (النور) الوارد في الكتاب والسنة، فما رأيكم في هذا الموضوع؟ يقول الشيخ: ورد في كتاب الله العزيز في أكثر من موضع (النور)، ومن ذلك:{ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ،{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} ، { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، ويذكر سماحته أن ما ورد في كتاب الله وسنة نبيه كاف ومغن في هذا الشأن، ولا حاجة لمسلم أن يستخدم مصطلحات ومفاهيم أخرى منها ما نعلم مصدره ومنها ما لا نعلمه.
6- مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هناك من يأخذ هذا الموضوع انطلاقا من ظاهر الحديث الشريف (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). فمع وجود جهاز حكومي منوط به هذا الأمر، هل لا يزال للفرد أو المجموعة أن يقوم بما تقوم به المؤسسة الحكومية في هذا الشأن؟ يذكر الشيخ أن الفرد يقوم في حدود ضيقة بذلك، أما تنفيذ الحدود والردع العام فذلك من صلاحية ولي الأمر.
7- (مفهوم حقوق الإنسان) وما يرتبط به من ثقافة.. من المعلوم أن حقوق الإنسان مضمونة في الشريعة الإسلامية، كتابا وسنة، فما المعايير الحقيقية المرتبطة بهذا المفهوم؟ هناك من يقول إن هذه الثقافة جديدة على المجتمع، وإن عدم المعرفة بها يشكل عقبة نحو تفهمها ومن ثم التعامل معها. يرد الشيخ بالقول: تُطرح حقوق الإنسان الحقيقية، ويتم التعامل معها من منظور إسلامي.
8- مسألة انفتاح علماء الإسلام على الحضارات الأخرى والتواصل مع أصحاب الكلمة في البلدان غير المسلمة، هل تغير شيء في الوقت الحاضر مقارنة بما كان يحدث في صدر الإسلام وفي الخلافة الإسلامية المتعاقبة، الأموية والعباسية، تحديدا؟ يذكر الشيخ: إن الدعوة إلى الله وتوصيل وبيان محاسن الدين يتحققان بتواصل العلماء بأولي الأمر، وتمارس الدعوة إلى الله من خلال وسائل الإعلام المتاحة.
9- عمل المرأة والتوسع فيه، هل لنا أن نقول إن عمل المرأة لا مشاحة فيه، شريطة عدم الاختلاط مع الرجال، هناك من يقول إن عزل المرأة هو عزل للبلد عن سائر البلدان. يقول الشيخ: تعمل المرأة في حدود طاقتها وما يناسب وضعها، أما تحميلها فوق طاقتها وتكوينها فغير مناسب.
10- البحث عن مختلف الفتاوى (أو المفتين)، هل تعتبر اجتهادات الأئمة الأربعة (مالك، الشافعي، ابن حنبل، أبو حنيفة) اختلافات؟ و هل تعتبر هذه الاختلافات بين الأئمة من باب السماحة في الدين؟ يجيب فضيلته: الاختلاف بين العلماء ليس في أصول الدين ولا في الضروريات وإنما في الفروع حسب فَهم الواحد منهم للكتاب والسنة واجتهاده فيهما، وهذا لا يكون إشكالية.
11- مفهوم (التشدد)، يتناول بعض الكُتّاب هذا المفهوم ويحصرونه في المسألة الدينية، فما وجهة نظر سماحتكم حول هذا الأمر؟ وبمعنى آخر، هل المفهوم ينحصر في القضايا (الدينية) (الشرعية)، أو قد يكون التشدد في الأنظمة الاقتصادية والتجارية والتعليمية وغيرها؟ وقد يكون مجرد التشبث بالرأي في أية مسألة (دينية) أو (دنيوية) من التشدد، أليس كذلك يا سماحة المفتي؟ يجيب الشيخ: الإسلام فيه اليسر والسماحة ما هو معلوم ومتواتر وليس فيه تشدد.
12- (سد الذرائع)، يرى البعض أن ذلك محاولة للهروب من قضية معينة بدلا من مواجهتها، فما رأي سماحة الشيخ في هذا الموضوع؟ ومتى يكون هذا الأمر ملحا ومتى لا يكون كذلك؟ يجيب فضيلته بالقول: يقصد بذلك وضع الحواجز والحوائل التي تمنع المرء من الوقوع في المعصية، مثل الأمر بغض النظر قبل حفظ الفرج، يقول المولى عز وجل: { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.
13- الزكاة والربا، هنالك إشكالية لدى البعض من المسلمين فيما يتعلق بعدم إيتاء الزكاة والوقوع في الربا، فما توجيهات سماحتكم بهذا الشأن؟ يجيب الشيخ: إذا أخرجت الزكاة على وضعها الصحيح وبالطرق الشرعية التي بينها الله عز وجل في كتابه فهي كفيلة بإغناء المجتمع وكفيلة كذلك بمنع انتشار الربا.
14- قيادة المرأة للسيارة، طرح ولا يزال يطرح بعض الكُتّاب موضوع قيادة المرأة للسيارة، على الرغم من توجيهات ولاة الأمر وآراء المشايخ حول ذلك. يقول فضيلته: إن هذه فكرة سيئة وتطبيقها على واقع مجتمعنا سينتج عنه سلبيات لا يمكن تصورها.
15- قضايا الساعة وتخصيص مؤتمرات لها، هل من مؤتمرات علمية، أو ندوات، تسلط الضوء على بعض قضايا الساعة، مثل: (الاجتهاد في الدين الإسلامي)، (مذهب أهل السنة والجماعة)، الذي تجمع عليه المذاهب الفقهية الأربعة، (الدعوة السلفية للإمام محمد بن عبدالوهاب). وأنتم يا فضيلة الشيخ تشرفون على (كرسي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز للدراسات الإسلامية)، في جامعة الملك سعود، ألا يمكن أن تعطى الأولوية لبعض قضايا المسلمين من خلال هذا الكرسي البحثي؟ أجاب سماحته بجواب مختصر مفاده: إن ذلك سيكون بحول الله.