Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/03/2009 G Issue 13310
الأحد 11 ربيع الأول 1430   العدد  13310

محمد بن منيع.. تاريخ مضيء في خدمة الدين والوطن

 

هو الشيخ محمد بن عبد العزيز بن محمد بن سليمان بن منيع وشهرة أسرته المنيع، ولد في الزلفي عام 1291هـ ونشأ وتربى في حجر والده الشيخ عبد العزيز، فنشأ نشأة صالحة طيبة حيث البيت بيت علم وإمامة منذ الجد الخامس تقريبا، وهذا ما توافر لنا من معلومات حيث كانت أسرته قديما تعيش حياة البادية، ولعل أول تحولهم من حياة البادية إلى الحاضرة وسكن المدن كان في بلدة أثيفية، ثم القصب، حيث وصل إليها جده علي مع عدد من إخوانه وأخت واحدة فسكنوا هذه البلدة ثم إنهم لما لم يطب المقام لبعضهم نزح عنها، وبقي علي مع أخته بالبلدة حيث كانت أخته قد تزوجت من أمير القصب وعلي هذا شاب لم يتزوج فتزوج بالبلدة وبقي بها ويقال إنه تولى إمارة القصب بعد وفاة أميرها.

انتقال أسرة الشيخ محمد من القصب

احتاجت بلدة الغاط إلى إمام وخطيب جمعة لجامعها ومعلم لأهلها حسب المتبع في ذلك الوقت، وقد اهتم أميرها آنذاك محمد بن سليمان السديري فصار يبحث عمن يقوم بهذه المهمة، فذكر له الشيخ محمد بن سليمان بن منيع المقيم بالقصب فكتب اليه طالبا منه المجيء للغاط ليتولى إمامة الجامع، لكنه اعتذر بحجة أنه لا يود أن يفارق أقاربه ثم إنه فوجئ بما ليس في الحسبان، إذ ذهب الأمير محمد السديري بنفسه إلى القصب وألح على الشيخ محمد بمرافقته، فغلبت مشيئة الله فقدر مجيء الأمير محمد إليه فرحل معه وارتحل بأسرته وتسلَّم إمامة جامع الغاط والتعليم فيه.

أما الشيخ محمد صاحب هذه الترجمة فقد انشغل بطلب العلم على يد والده عبد العزيز الذي قام هو وأسرة البدر بتأسيس مسجد المنيع بالزلفي في حدود 1276هـ والإمامة والتدريس فيه، ثم تحول بعد ذلك إماما وخطيبا لجامع الإمام فيصل بن تركي بالزلفي وهو أيضاً ذو خط جميل، ثم انتقل للقصيم فدرس على يد الشيخ محمد بن عمر بن سليم، ثم انتقل إلى المذنب حيث ذكر له شيخ بها يعرف بابن دخيل فذهب إليه ودرس على يديه الفقه وشيئا من النحو ثم عاد للزلفي، حيث مكث فترة ثم سافر للرياض وتتلمذ على مشائخها آنذاك الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وابن عتيق، وكانت تربطه علاقة حميمة بسمو الأمير محمد بن عبد العزيز بن سعود المعروف بالمطوع علاقة علم ومباحث علمية وبينهما مهاداة بالكتب الدينية النافعة، ذكر لي هذا الشيخ عبد الله بن غديان عضو هيئة كبار العلماء أن سمو الأمير يسأل عن الشيخ محمد المنيع، لذا فقد قابلته بنفسي وقدمت له نبذة مختصرة عن جدي وأعلمته بتاريخ وفاته فدعا له وترحم عليه رحمهما الله جميعا، ثم إن سمو الأمير سعود بن محمد قد زار عفيف فترة عملي

أميرا بها فتحدثنا عن تلك العلاقة حيث ألقى ابني عبد الرحمن قصيدة جاء فيها:

أبوك كان صديقا

لجدنا وحفي

يجمعهما علم شرع

كلاهما أريحي

محبة الله كانت

هي الرباط القوي

وقد ذكر سمو الأمير سعود شفاه الله أنه يتذكر تلك العلاقة ويعرفها جيدا رحم الله الجميع، وقد رجع الشيخ محمد إلى بلدته الزلفي بعد أن تحصل على ما يعتقد أنه بحاجة إليه من العلم، وقد كانت له مكتبة عامرة تضم العديد من الكتب القيمة والمخطوطات النادرة، وكان غالب القضاة الذين يفدون للزلفي في السابق يستفيدون من هذه المكتبة سواء في حياته رحمه الله أو في حياة ابنه عبد الرحمن الذي سار على نهجه في طلب العلم وله دراية تامة بعلم الفرائض، على الرغم من أنه لا يجيد الكتابة كما ينبغي، يقول الشيخ محمد بن عبد العزيز المقحم في قصيدة ذكر فيها عددا من شخصيات الزلفي ومنهم والدي رحمه الله.

ولا تنس شيخا طهر الله شيبه

أبوه سميي وهو في ذاك اخبر

عفيف نظيف في الحديث مصدق

وفي العلم بيطار وإن كان يضمر

له في علوم الإرث باع طويلة

وليس يجيد الخط لكن مظفر

كريم مقل أكثر الله ماله

وزوده تقواه حين ينشر

أعود للشيخ محمد فأقول ظل إماما للمسجد المعروف باسمهم رحمهم الله (مسجد المنيع) بالزلفي، وفي 20 رجب 1337هـ تلقى الشيخ محمد المنيع تعميدا من الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل رحمه الله بالقيام بإمامة جامع الزلفي وخطبة الجمعة وتعليم الناس الدروس الدينية هذا نصه:

(بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إلى الأخ الكريم محمد بن عبد العزيز بن منيع سلمه الله وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وموجب الخط إبلاغ السلام والسؤال عن حالك وبعد عملك أنت إن شاء الله تصير إمام لجماعتكم مكان عبد الله السلمان رحمه الله تصلي بهم الأوقات وتذكرهم وتعلمهم أصل الدين وأوقات الصلوات وتقوم في هذا الأمر خير قيام ولا تغفل ونرجو الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه هذا والسلام) 20 ر 1337هـ.

وله مراسلات مع قريبه الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمهما الله حيث إن المنيع والقاسم والمقحم والمفدى والسيف والمحارب من ذرية علي.

لقاءات الشيخ محمد بالملك عبد العزيز رحمهما الله

أما الشيخ محمد بن منيع فعندما وصل الملك عبد العزيز إلى الزلفي شهر شوال 1347هـ عند تعقبه للإخوان التي انتهت بوقعة السبلة المشهورة التقى الشيخ محمد المنيع وأمير الزلفي ابن عطا الله وعبد اللطيف الحمين الذي أصبح أميرا للزلفي وأحمد الحمين والشيخ حمدان الباتل، وتكرر اللقاء ثلاث مرات متفرقة وتشاور معهم وهذا دليل على اهتمام الملك عبد العزيز رحمه الله بالشورى وبالذات مع أهل العلم والصلاح وكان مخيمه رحمه الله في موقع مدرسة ابن خلدون الآن.

من أعماله رحمه الله

اشتغل رحمه الله بخدمة إخوانه المسلمين وذلك بكتابة الوثائق والعقود لغالبية أملاك الزلفي إن لم تكن كلها موثقة بكتابته رحمه الله وخطه جميل وواضح وتحظى كتابته بالتوثيق الشرعي، وله اهتمام بالتاريخ ومن تلك الأعمال مخطوطة تم تحقيقها عام 1429هـ تحت اسم أوراق من تاريخ نجد، وكان يقوم بكتابة الرسائل من الأسر في الزلفي إلى أبنائهم وآبائهم وذويهم خارج الزلفي، القراءة على المرضى ولهم وكان موفقا وكثير من المرضى شفي بإذن الله ثم قراءة الشيخ لما يتصف به رحمه الله من صلاح ونية صادقة، حيث لم يكن يقبل أن يأخذ أجرا على أي عمل يعمله بل هو محتسب، جلس لتدريس القرآن الكريم وبعض الدروس مثل الفقه والحديث والتوحيد وله حلقة منتظمة بمسجد المنيع. اشتهر رحمه الله بالدعابة والمرح فيما لا يخرج عن الوقار والحشمة محبوب من الجميع متواضع يزور المرضى في منازلهم ويحمل دواة الحبر معه أينما ذهب حتى يقضي حاجة الناس، يجلس بالمسجد بعد صلاة الفجر حتى يصلي الضحى ثم يأتي إليه بعض أبنائه الصغار وأبناء جيرانه فيمنح كل واحد منهم ثمرة يخرجها من جيبه فيفرحون بها وهي عندهم أفضل من أي أنواع الحلوى هذه الأيام له من الأبناء أربعة هم: منيع، عبد الرحمن، إبراهيم، عبد العزيز، ومن عقبه وعقب أبنائه طلاب علم ودكاترة وقضاة. وقد كف بصره قبل وفاته وكان حافظا للقرآن الكريم عن ظهر قلب رحمه الله رحمة واسعة.

وفاة الشيخ محمد بن عبد العزيز رحمه الله

مرض مرضا خفيفا ويقول ابنه عبد الرحمن إننا كنا عنده يوم وفاته ومعنا صديقه الشيخ حمدان الباتل رحم الله الجميع وكانا يتحدثان في أمور الدين ويتناقشان فيها، فأستاذن الشيخ حمدان للانصراف بعد أن دعا للشيخ محمد فقال له لا تتأخر يا حمدان تراي أعرفك إذا جلست عند أم أحمد يعني زوجته نسيتني فقال إن شاء الله بس أصلي الظهر وأرجع لك، يقول الشيخ عبد الرحمن رحمهم الله فبعد أن خرج الشيخ بحوالي أربع دقائق لاحظت أنه بدأ يذكر الله ولاحظت عليه شيئا غير عادي نور في وجهه، فأدركت أنه الموت فوجهته للقبلة ولفظ أنفاسه وهو يذكر الله، يقول فلحقت بحمدان وهو لا يزال يسير بشارعنا فأخبرته فرجع وجهزناه وصلينا عليه يوم 24 12 1366هـ رحم الله الجميع وأسكنهم فسيح جناته.

حفيده/ عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد المنيع


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد