Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/03/2009 G Issue 13310
الأحد 11 ربيع الأول 1430   العدد  13310

نوافذ
شاشة العرض
أميمة الخميس

 

كانت شاشة العرض الكريستالية رائقة شديدة اللمعان تكاد تسمع صوت المياه في المشهد الذي تعرضه وتكاد تشم رائحة الأدوات التي تعكس أحد العروض التي يقدمها جناح في معرض الكتاب عن الطريقة المثلى... لفك السحر.

استوقفتني تلك اللحظة، واختطفتني من المكان والزمان، الشاشة التي تقدم أكثر التقنيات تعقيداً ودقة بشكل يزهو بها العقل البشري، تأملت عندها مسيرة البشرية لتصل إلى مثل هذا المنتج كم دفعت من أثمان وجهود وعقول وشق للدروب العسرة لتصل إلى هنا كم استمرت الإنسان يصارع قوى التخلف والشعوذة ليتوج العقل سيداً على مصيره.

منذ الأزمان الساحقة عندما قال لنا رهين المحبسين كذب الظن لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساء.

وتلك الومضات الخاطفة التي كانت تضيء حندس البشرية وتأخذها بعيداً عن كهوفها، محمد بن موسى الذي أهدى للعالم (الصفر) معنى المطلق اللامنتهي، الخوارزمي الذي جعل العقل الإنساني ينتقل من الغنوصية والشعوذة إلى علم الجبر والحساب تلك التجربة التي تجمعت في مرجل ابن رشد الذي كان حينما يتعارض النص مع العقل يفسره لصالح العقل، ويخلط المعارف بعلوم اليونان، قبل أن يقطرها كرحيق للعلوم وينثرها فوق أوروبا.

مارتن لوثر كينج أول من أشعل مشعل التنوير عندما ثار على كاثلوكية الكنيسة وأعلن تمرده على صكوك الغفران، وكوبرينكس وجاليليو اللذين كانا يصران على أن الأرض تدور بينما مقصلة البطاركة تقترب من رأسيهما، واسبينوزا الذي أوقد شعلة التنوير، وثار على طغيان الحاخامات وتلمودهم، وكان من أوائل من استرجع القوانين الفوقية البعيدة عن البشر ووهبها للإنسان والعقل.

وفولتير الذي ظل شريدا مطاردا ملعونا من الكنيسة بسبب أشعاره ومسرحياته، طوال نضاله ضد محاكم التفتيش ونعته لها.... بالعار الذي أصاب البشرية. وصولاً إلى سيد فلاسفة التنوير (نيتشه) الذي أعلن الإنسان القوي سيداً للكون وتوجه بتاج العقل.

ذلك الإنسان الذي حلق يقارع الطبيعة من حوله ويتحداها (موريس) مخترع الشفرة التلغرافية، وماركوني الإيطالي الذي التقط جنيات الصوت من الفضاء واخضعهن لمشيئة الإنسان، أديسون الذي عبر مصباحه غير الساعة البيولوجية للبشر للأبد، ورنتجتون الذي لم ينتظر المرض بل اقتحمه بأشعته إلى مواقعه، مخترع التلفاز هو: جون لوجي بيرد عام 1926 وعام 1928 التلفاز الملون. وفي نفس العام تمت أول عملية بث للتلفاز عبر المحيط من لندن إلى نيويورك.

ومن ثم وصلت إلى بلاد السامواري، وجبل فويجي الشامخ اليابان التي نهضت من كبوتها بأجنحة من الإيمان بالإنسان وقيمه والعمل والجودة... وطعنت كبد السماء فوق مارد العقل.

تلك الاختطافة السريعة لا أدري كم استغرقتني وأنا أقف كالمذهولة أمام شاشة يابانية لامعة كريستالية أنيقة تعرض كيفية فك السحر والربط والرصد، واجهة كبيرة في معرض الرياض الدولي للكتاب تعرض إبداع الساحرات وفساتينهن وكيفية فكها والتحرز منها.

في حضرة خلاصة العقل البشري ونتاجه من الإبداع الفلسفي والفكري والأدبي والثقافي لشعوب العالم الذي تحويه الكتب التي تطوق المكان، كان هناك واجهه كاملة يستأثر بها السحر والسحرة وجميع ما يستقطب البسطاء والأميين وأشباههم، ويستدرج الموجوعين المكلومين لاستثمار ضعفهم وقلة حيلتهم.

في حضرة العقل البشري الذي كان يحلق بأجنحة من كتب متحدياً رموز الطغيان والتسلط المغيب للعقل...كان هناك جناح كامل يعرض غرف الساحرات وأثوابهن وووووو.....

وعندها استجرت ببيت مالئ الدنيا وشاغل الناس أبا الطيب:

لَولا العقول لَكان أَدنى ضيغم

أَدنى إلى شرف من الإنسان

بينما كانت الشاشة الكريستالية خلاصة تقدم العقل البشري وتفوقه تأن وتلطم وتنوح وهي ترى..... أباها العقل يذبح بين يديها.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد