ثقافة المجتمع هي أنماط السلوك والمعتقدات والعادات والآداب والتراث والتاريخ والفنون واللغة في هذا المجتمع.. والتي تضفي عليه طابعه الخاص الذي يميزه عن غيره من المجتمعات.
وثقافات الأمم مستقاة من خبراتها.. فهي تراكم المعارف والتجارب التي توجه قيم المجتمع وتقاليده.. وطرق تفكيره.. ووسائل تعبيره.. لذا نجد أن للثقافة دوراً مؤثراً في مجالات الإبداع الفني وأنماط الإنتاج التقني.. كما تؤثر في سعة الأفق لدى المجتمع وهذا يتيح خلق البيئة المناسبة للابتكار والاختراع وكسر المعتاد ورتابة الحياة.. وكل ذلك تصب محصلته في السلوك العام للمجتمع وتطلعاته وطموحاته ومثله العليا.. وقدرته على تحديد أهدافه وغاياته ووسائل تحقيقها.
ثقافة المجتمع تساعد على رسم المسار المستقبلي للمجتمعات.. وتحدد الخطوات المطلوبة لإنجازها.. وتضع الجداول الزمنية لتنفيذها وقياسها.. كما تمد المجتمع بالقدرة على نقد الذات والبحث في المنجزات والإخفاقات وإعادة النظر فيها أو في وسائل التعامل معها.
الثقافة بشكلها المطلق تجعل من اليسير على المجتمع البحث الدؤوب المستمر عن كل ما هو أفضل له.. وكل ما يقود إلى اكتشاف مدلولات جديدة للحياة من فهم أو إبداع أو إنتاج.
المجتمعات البدائية ثقافتها عادة بسيطة مباشرة.. وكلما ارتقى المجتمع كلما زادت ثقافته ارتفاعاً واتساعاً وتنوعاً وكلما ارتقت وسائله الحضارية تشعباً وتشابكاً وتعقيداً.. ولعل قول شاعرنا العربي: (وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم) أبلغ وصف في أن الإنسان البدائي في حياته البسيط في تفكيره أقدر على التنعم بالعيشة الجافة الشقية.. ربما لأنه لا يتصور غيرها.. وربما لأن السعادة التي ينعم بها شيء آخر لا نعرف كنهه.
لذلك عبر التاريخ يواجه فلتات المجتمع ومشاعله من تنويريين وتنمويين وطلائعيين مستقبليين بالرفض.. ووصل العداء لهم إلى حد الإقصاء الحسي والجسدي.
وعبر التاريخ أيضاً يتصادم المبادرون والمؤيدون لهم مع الرافضين المناوئين لهم.. ويتوارث المجتمع جيلاً بعد جيل ذلك الكر والفر بين المبادرين التقدميين وبين الرافضين الجامدين.. مرة يتفوق هؤلاء ومرة يتفوق أولئك.. ثم تستقر بوصلة حركة المجتمع في الاتجاه المنتصر.. إما إلى الماضي وإما إلى المستقبل.. ثم ما يلبث أن يعود الصدام من جديد بين الفريقين وهكذا دواليك.
إن التغيرات في الحراك الاجتماعي تسير في مسارين متوازيين ووفق بعدين.. الأول هو البعد الإنساني أي المفاهيم والقيم والأفكار والاتجاهات والنفسيات.. والثاني هو البعد الموضوعي أي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي.
هذه العوامل في هذه الأبعاد كلها أمور متداخلة ومن العبث بمقدرات الشعوب الفصل بينها.. ولا يستقيم أمر الشعوب إلا إذا كان هناك توازن في التعامل والتعاون والتكامل فيما بينها.. وهذا لا يكون إلا بوجود ربان ماهر وملاحين مهرة وإلا حصل انهيار تكون نتيجته القمع والتغييب والفقر.. ومن ثم الظلام والخراب.