من أروع المواقف القيادية التي قرأتها موقف حاطب بن أبي بلتعة، الصحابي الجليل، وذلك إبان فتح مكة؛ فقد أصدر رسول الله قراراً بألا يخرج من المدينة أحد؛ فقد كانت الأمة تمرّ بمنعطف مهم في تاريخها: إنه الفتح الذي وعده الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، وكان من أهداف رسول الله أن يتحقق الفتح بأقل الخسائر، فاجتمع حشد كبير من المسلمين، وفي خضم هذه الأحداث أرسل حاطب رضي الله عنه خطاباً لقريش مع امرأة موضحاً أن محمد صلى الله عليه وسلم يريد فتح مكة، فنزل جبريل عليه السلام وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل اثنين من الصحابة فأتيا بالخطاب، فشُدّ على حاطب الوثاق، وأُتي به مكبلا، فلما دخل وكان يعلو وجهه الحزن، والندم على ما فعل؛ فقد كانت خيانة عسكرية عظمى ربما تسببت في إراقة الدماء. فلما قرُب من النبي صلى الله عليه وسلم وكان عمر بن الخطاب بجانبه قال عمر رضي الله: دعني اقطع عنقه فقد نافق، فقال صلى الله عليه وسلم: ما الذي دعاك إلى هذا يا حاطب؟ فقال حاطب: والله ما نافقت، ومازلت على العهد فنظر إليه رسول الله نظرة القائد الذي يحب أصحابه، ولا يتصيد الأخطاء على مرؤوسيه بل يُمتّن الإيجابيات التي لديهم، ويقلل من شأن السلبيات حتى ولو كانت ببشاعة جرم حاطب، فتذكر أن حاطب قد حضر بدراً، فقال رسول الله: دعه يا عمر، وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر وقال: افعلوا ما شئتم قد غفرت لكم. إنها النظرة الإيجابية الشاملة، وعدم نسيان أي معروف لأفراد الفريق الذي يعمل معه، فقد قلب الإطار السلبي إلى إطار إيجابي، وهذا هو المطلوب في تعاملاتنا مع أبنائنا، وزوجاتنا.. فكم من الإيجابيات الضخمة تُسحق عند حدوث أقل سلوك سلبي، ناهيك عند حدوث سلوك خطير؛ لذلك يجب أن نُمتّن السلوك الإيجابي حتى يكون السلوك السائد في المجتمع. إن مجتمعاً كان يسوده الظلم والقهر، والقتل، بل تستطيع أن تحكم عليه بأنه مجتمع سلبي ثم يتحول تحولاً جذرياً بفضل الله ثم بتطبيق القائد العظيم استراتيجيات بناء المجتمعات الصالحة التي من أهمها استراتيجية قلب الأطر السلبية إلى إيجابية، فيكون مجتمعاً متحاباً، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
في الولايات المتحدة الأمريكية ظهرت فلسفة جديدة في دراسة الاحتياجات التدريبية تعمل على تضخيم المهارات المتميزة لدى المتدربين وتسمى بمصطلح تمتين المهارة، وهي بخلاف الفلسفة التي تعمل على معالجة القصور المهني لدى المتدرب، ويُذكر أن إحدى الشركات في أمريكا كادت أن تُفلس، فعُين فيها مدير ممن ينظر إلى الإطار الإيجابي فحصر جميع الإيجابيات وأخذ يعمل على تضخيمها حتى أصبحت بعد فترة من الشركات الناجحة، وكان مديرها من المديرين الذين يُشار إليهم بالتميز، والحكمة تقول: إن الوقوف عند النقاط الإيجابية يفتح لك ملفات إيجابية لا تخطر على خيالك، والعكس صحيح.
د- صالح بن راشد الهويمل
Salehrh1@hotmail.com