مما لا شك فيه أن أضعف حالات الإنسان وأحلكها مرارة, تلك التي يكون فيها المصاب حل والألم اشتد، فهذا قدر يسلم به، إلا أن الإنسان يكون في تلك اللحظات بحاجة لمن يشد على يده ويذكره بربه ويتكاتف مع الآخر بقلبه قبل مده يده بالمساعدة, والفطرة السليمة لبني الإنسان تهب ذاتها للمصاب وتقف وقفة الحاني معه والمتفهم لحاله والمقدم لخدماته, وكم بانت قلوب المحبين الصادقين عن المحبين غير المكترثين في تلك الأحزان, إلا أنه يظل هناك مَنْ بحسن نية يجهل قيمة تلك اللحظات والحاجة الماسة لأخيه المصاب فيقتصر بالسؤال الدوري الجامد عن الحال: (كيف الحال.. اليوم أحسن.. بطمن عليكم.. إلخ) وتنتهي المكالمة وإن كان القلب متضامنا معه ومنشغلا بالتفكير بعظم مصاب صاحبه بل وأحيانا حاكيا لكل من يقابله لسوء فجيعته بما حل لرفيقه، وكل هذه التصرفات والأقوال بعيدة كل البُعد عن صاحبه, ومتوافقة لدائرة التفكير الضيق، أي عدم فعل أمور يدخل بها البهجة على قريبه ذاك وعدم محاولة التضامن معه بالذهاب إليه وإحضار ما يسره. يحكي أحد من أصاب عائلته حزن لوفاة والدهم أنه بعد أيام العزاء تأمل حال إخوته ووالدته، وشاهد كيف الأرواح منكسرة والبسمة غائبة، فاستعان بذاكرته واسترجع كل ما يحبه كل فرد من أسرته وكل ما تمنوا أن يحصلوا عليه، فذهب لشرائها وأحضرها لأسرته، فكيف عادت البسمة والفرحة وانشغل الفكر بالجديد وابتعد عن الأفكار المشتتة القاتلة للروح على المدى البعيد, فالله دره كيف امتدت يده وعمل عقله وفكره وابتعد عن التأسي لحال أسرته فكسب ودهم أبدا وكان لهم منذ تلك اللحظة أباً. إن الأفعال الطيبة هي وحدها التي توحد القلوب وتذكر الإنسان بالإحسان أينما كان وإن طال الدهر والزمان, وإن كانت تبدو صغيرة إلا أنها في لحظات المصاب والحزن تكون عظيمة الميزان في القلب وخالدة في الفؤاد وجالبة لمتن العلاقات وديمومتها وتملك صاحبها سحرا حلالا في حضوره وعند ذكر اسمه.
إن كنت ممن يمتلك القلب الإنساني الصادق فأنت تشعر بالآخرين، وهناك رغبة ملحة في داخلك لمساندتهم، وكل ما عليك حينما تجد من حل به مصاب وتغير وتبدل من حال إلى حال إلا أن تعمل عقلك وتشغل ذهنك بما الذي يريده وكيف أدخل البهجة عليه وحينها حتما ستتقافز الأفكار فوق رأسك، منها الصغيرة والكبيرة، وكل ما عليك حينها إلا أن تمسكها بيدك وتدخلها نطاق العمل والفعل بالإقدام وستنعم بأثر فعلك أجرا أخرويا، ودنيويا محبة قلوب العباد، وهذا ما لا يقدر بثمن من الأثمان، ويعيش في كنف سعادته الصالحون من الأخيار الذين انضممت لهم ما إن تقدم على خطوة كهذه؛ فالجزاء من جنس العمل.