كثير من الناس لا يرى من الأعمال الصالحة التي يحتسب أجرها إلا ما كان قربة محضة كالصلاة والزكاة والصيام والحج، ونحو ذلك. بل إن منهم من لا يخطر بباله احتساب بعض الأعمال الصالحة التي يفعلها على سبيل العادة دون مشقة أو عناء.
كما أن منهم من لا يحتسب الوسائل الموصلة إلى القربات؛ لظنه -كما مر- أن الأجر لا يكون إلا على فعل القربة المحضة دون نظر إلى أن الوسائل لها أحكام المقاصد.
وهذا مما يفوت أجوراً كثيرة لو احتسبها الإنسان لكانت سبباً لمضاعفة ثوابه، ورفعة درجاته.
وفيما يلي تذكير ببعض الأمثلة على ما مضى، دون ترتيب أو ربط لها بنظائرها، مما يقع فيه الخلل.
فمن ذلك بر الوالدين، وإكرام الجار، والقيام على العيال، وصلة الأرحام.
ومن ذلك -أيضاً- ما يلقاه الإنسان من نصب ومشقة وهو في طريق الحج أو العمرة، أو من جَرَّاء تنقله بين المشاعر، فربما ضاق صدره، وغاب عنه أن ذلك من جملة العمل الصالح.
ومن ذلك: المروءاتُ من نحو الوفاء، وإغاثة الملهوف، وتنفيس الكرب، وإكرام الضيف؛ فقد لا تخطر تلك الأعمال ببال من يقوم بها، وقد يغفل عن احتساب أجرها؛ مع أنها من أعظم أسباب اكتساب الثواب، ومضاعفة الأجورِ، واستشعار فضل العمل.
ومن ذلك كثير من أعمال الدعوة، ونشر العلم، ونحوها من الأعمال المتعدية؛ فمن الناس من يظن أن الأجر إنما هو لمن يقوم بتلك الأعمال مباشرة كالعالم، أو الداعية، أو المحسن المنفق دون غيرهم.
والحقيقة أن الأجر يعم أولئك وغيرهم ممن يحتسبون الأجر، كمن لهم يدٌ في نشر العلم، والخير، وتنفيس الكربات، وإعفاف الفقراء، فيشمل من يعد للدروس العلمية، ويضع لها الإعلانات، والدعايات، ويشمل من يسجل الدروس، ويقوم بتصنيفها، وإعدادها للنشر أو السماع، ويشمل من يقوم بدراسة أوضاع الفقراء، ومن يقوم بتوزيع الصدقات إلى غير ذلك مما هو داخل في هذا القبيل.
* الزلفي