في قرار غير مستغرب، ونتطلع إلى ثماره ونتائجه الإيجابية صدرت الموافقة السامية الكريمة بموافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - على ما انتهت إليه اللجنة المشكلة من عدد من الأجهزة الحكومية، ذات العلاقة بشأن دراسة ظاهرة المبالغة في الصلح في قضايا القتل بشكل عام، وما يرافقها من إقامة مخيمات لجمع تبرعات الدية لورثة القتيل.
ومن أهم التوصيات التي توصلت إليها اللجنة، منع إقامة المخيمات واللوحات الإعلانية التي تعد لجمع التبرعات لذوي القاتل، لدفعها إلى ورثة القتيل، كما أوصت بإنشاء لجان إصلاح ذات البين في جميع إمارات مناطق المملكة، أسوة بما هو موجود في منطقتي الرياض ومكة المكرمة، ويكون مقرها إمارة المنطقة، ويجوز عند الحاجة إنشاء لجان في المحافظات تعمل على الإشراف على تنظيم اجتماعات لممثلي ذوي الشأن في التفاوض أو الصلح.
لقد تناولت هذا الموضوع في مقال سابق نشر منذ ما يزيد على عام ونصف، وتحديداً في الحادي والعشرين من شهر جمادى الآخر لعام 1428هـ، تحت عنوان: (تكفون يا جماعة)، وبينت ما للدماء في الإسلام من عصمة وحرمة، وما شدده الله سبحانه وتعالى من حرمتها في الآيات الكريمة، وما أكدته الأحاديث النبوية الشريفة، وذكرت ما لحظ مؤخراً من شيوع جرائم القتل، والاعتداء على الأنفس، واتباع زيغ الشيطان من قبل بعض الشباب، والجرأة على سفك الدماء لأتفه الأسباب ساعة الغضب والطيش، ومن ثم مناشدة الجماعة والقبيلة بالتبرع لإخراج هذا (المتهور) و(الطائش)، وجمع الملايين، و(إذلال) مئات الرجال الذين (يسترجون) ويسترحمون ويستدرون عطف أهل القتيل للصفح والعفو، أو المساومة على دية ابنهم، ومن ثم فتح أبواب التبرعات، ومناشدة المحسنين، وأشدت بفضيلة التكافل الاجتماعي، وفضيلة العفو، ولكن واجب الحفاظ على حدود الله، ومقاصد الشريعة، وتحريم الدماء أوجب وأقدر، وطلبت من بعض المقتدرين مادياً ومعنوياً في كل جماعة وقبيلة أن يقوموا بترشيد الشباب الذين يتبعون لهم، وإرشادهم عن خطورة التهور الذي لحظ مؤخراً، مع التأكيد على دور الوالدين، وخاصة الآباء الذين يتهاونون في جلب السلاح، وشرائه لابنه المراهق، أو تشجيعه على حمله.
أما وقد صدرت الموافقة على إنشاء لجان إصلاح ذات البين، فأتمنى ألا يقتصر دورها على العلاج بعد وقوع المشكلة، وأتمنى أن تقوم إلى جانب ذلك أو قبله وهو الأهم، بالعمل على برامج التحصين للشباب بوجه خاص قبل وقوع الكوارث والأحداث، وإهدار الدماء، وتشجيع الشباب ومن هم مسؤولون عنهم من الوجهاء والأعيان ورؤساء القبائل بتوجيه الشباب ونصحهم، وتذكيرهم بالخوف من الله سبحانه وتعالى، وعدم الولوغ في الدماء، وأن التهور ليس فخراً للرجل، ولا جماعته، وإنما هو في النهاية إذلال له ولجماعته، حينما يلجئهم إلى التسول والذل أمام الآخرين.. والله من وراء القصد.
alomari1420@yahoo.com