تحقيق مندوب الرسالة
تطالعنا صحفنا يوماً بعد يوم بما ينكأ الجراح ويدمي العقل السليم ويكلم الفطرة الطاهرة، فهذا شاب يقوم بتهديد فتاة لكي تلبي رغباته الدنيئة أو يقوم بفضحها، وذاك شاب امتهن سرقة حقائب النساء لاستدراجهن بحجة رد الحقيبة لكي تقع بين يديه ويصورها ومن ثم يبدأ مشوار الجريمة، ومجموعة احترفوا ابتزاز الفتيات من خلال رابط حاسوبي لاختراق البريد الإلكتروني، وذلك غرر بفتاة بعد أن حصل على ملفات جوالها وقام بابتزازها مقابل تحقيق رغباته المالية والجنسية إن لم ترضخ لمطالبه، وفتاة ضاعت عفتها بداعي الخوف والترهيب من التهديد بالفضيحة، وأخرى وأخرى وأخرى..
وهكذا يستمر النزف وما تكاد تهدأ صحيفة إلا وتطالعنا أخرى بما يمكن أن يكون أشد، ولا نكاد نكفكف الدمع إلا وتنسكب مرة أخرى بل مرات.....!!!!!
كمٌّ هائل من هذه القضايا ينبئ بهمّ ثقيل وحمل قاسٍ، على المجتمع تحمّل تبعاته، فهو المتسبب في البداية وفي النهاية، فمنه بدأ التفريط ومنه بدأت الجرأة على حرمات الله وتهميش الدين والتنصل من القيم العربية الأصيلة التي تؤكد على مبادئ الفضيلة والعفة والكرامة والتي أمر بها الدين ناهيك عن تحلي العرب بها في الجاهلية.
وما يحزن أن عدد هؤلاء الفتيات المتورطات لا تزال في ازدياد، وجرأة الشباب ما تبرح في تفاقم رغم ما ينادي به علماء المجتمع وعقلاؤه من أهل الفكر والرأي السديد من ضرورة تحكيم شرع الله في هذه العلاقات والحذر والوقاية قبل الوقوع في هذا المزلق الخطير والهوة السحيقة التي تحمل عواقب قد لا يشعر فيها المجتمع إلا بعد سنين من خلال مظاهر عديدة قد تتمثل في الانتحار - قتل النفس - الزنى، اللقطاء، تفكك أواصر العلاقات بين المجتمع، الشحناء والثارات، وغيرها كثير.
وفي هذه المرحلة الحرجة ندقُّ ناقوس الخطر للمراجعة والتحرك السريع على كل الصعد لمعالجة هذا الوضع الذي يشبه القتل الصامت لقيم وعلاقات المجتمع، ويؤدي بالسكتة الدماغية للوحدة الأساسية للمجتمع، ألا وهي الأسرة. لتقوم كل جهة معنية بدورها، ولهذا كان هذا التحقيق ليسلط الضوء على معالجة خطر يركز على ماذا ينبغي على المجتمع اتخاذه حيال من وقعت ضحية الابتزاز؟؟!!
الشبكة المعلوماتية
من جانبه بيَّن الشيخ أحمد بن علي الشهري رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة الخبر (سابقاً) المبتعث حالياً للدراسات العليا بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية أن جرائم الابتزاز التي ظهرت على السطح مؤخراً تدور حول استخدام الشبكة المعلوماتية (الإنترنت) في ابتزاز الضحية والضغط عليها. وهي محاولة خبيثة للحصول على مكاسب مادية أو معنوية عن طريق الإكراه من شخص أو أشخاص أو حتى مؤسسات وربما دول. ويكون ذلك الإكراه بالتهديد بفضح سِرٍّ من أسرار المبتز، وعادة ما تكون أداة الابتزاز قد تم الحصول عليها خفية من غير رضى صاحبها، فتضيف جريمة أخرى هي جريمة الاعتداء على الحياة الخاصة. وقد أصبح مثل هذا النوع من القضايا، وهي قضايا التشهير والابتزاز باستخدام الوسائل الحديثة كالحاسب الآلي وملحقاته وبرامجه والشبكات بمستوياتها المحلية والعالمية وكذا الهاتف الجوال، جميعها من الجرائم المقلقة والمثيرة للجدل نظراً لخطورة نتائجها.
خطورة الابتزاز
وللابتزاز أنواع كثيرة بحسب الشيخ الشهري، منها المادي والعاطفي، وبيَّن أنه لخطورة هذه الجريمة وللحد من انتشارها ووضع الجزاء الرادع لمرتكبها عمدت الجهات المختصة في المملكة العربية السعودية إلى حسم هذا الأمر حين أصدرت نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية التي تمَّت الموافقة عليه بجلسة مجلس الوزراء رقم 79 في 7-3- 1428هـ. وهناك لجنة شكلها المقام السامي لدراسة هذا النوع من الجرائم ووضع الحلول المناسبة مع الاهتمام بالجانب الوقائي قبل وقوع الجريمة، ومرحلة ما بعد الجريمة. والهيئة هي إحدى الجهات المختصة المشاركة في أعمال هذه اللجنة. وتضمن نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية السعودي تجريم التنصت والدخول غير المشروع للمواقع للتهديد والابتزاز أو التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم عن طريق وسائل تقنيات المعلوماتية المختلفة، كما نصت على ذلك الفقرة (ثانياً) من المادة الثالثة من هذا النظام. وقد كان أغلب المتضررين من هذه الجرائم -حسب ما يردنا في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- النساء اللواتي وقعن ضحايا لعلاقات مشبوهة سواء كانت هذه العلاقة بقصد أم بغير قصد، بكافة مستويات النساء العمرية والاجتماعية والثقافية، حيث يتعرضن إلى ضغوط مستمرة عند فضح النوايا السيئة التي يخبئها الطرف الآخر من هذه العلاقة، فعندما تريد المرأة أن تنسحب من تلك العلاقة المشبوهة، أو عندما ترفض تلك المرأة تنفيذ بعض المطالب التي قد يطلبها الطرف الآخر، أو عندما تشعر بخطورة الموقف الذي وضعت نفسها فيه، فإن طرف العلاقة الآخر يرفض إنهاء هذه العلاقة بطريقة سلمية فيتوجه إلى طريق الابتزاز بقصد الوصول مثلاً إلى الاستمتاع الجنسي المحرم، أو الحصول على المال أو بقصد التشويه وإلحاق الضرر النفسي في بعض الحالات. وكما نعلم أن الكثيرين من أولئك الضحايا يحجمن عادة عن الإبلاغ عن مثل هذا النوع من الجرائم حماية للسمعة والشرف والاعتبار.
عوامل الابتزاز
وفيما يتعلق بالعوامل المؤدية إلى الابتزاز، أوضح الأستاذ الدكتور صالح بن إبراهيم الصنيع عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن ابتزاز الفتيات من الظواهر التي بدأت تكثر في مجتمعنا، وأرجعه إلى عدد من العوامل لعل من أهمها:
1) ضعف الوازع الديني لدى الفتيات، نتيجة ضعف الخلفية الإسلامية واقتصارها على الجوانب النظرية دون الاهتمام بالجانب التطبيقي لها في واقع الفتاة.
2) دخول وسائل الاتصال الحديثة بصورة كبيرة في حياة الأسر خصوصاً الفضائيات وشبكة الإنترنت، التي ألغت الحواجز والسواتر التي كانت تحفظ الفتيات عن الاختلاط بالآخرين من غير محارمها.
3) كثرة العمالة الوافدة التي تعمل في مجالات تتعامل مع احتياجات الفتاة اليومية. وهذه العمالة منها ما يتصف بضعف الخلفية الدينية وضعف مستوى الإيمان مما يجعلها تلج المسالك المحرمة أثناء تعاملها مع الزبائن.
وأضاف الصنيع: وقد وقعت العديد من الفتيات ضحية لعمليات ابتزاز من كثير من ضعاف النفوس من مواطنين ووافدين. وهذا الابتزاز قد يكون في استمرار علاقة صداقة محرمة أو في المال أو العرض.
إجراءات تجار الابتزاز
يظل لكل ظاهرة معالم واضحة تشعر المجتمع ببدايات المرض وتتطلب منه التحرك السريع لعلاج ذلك كمؤسسات وأفراد. وفي طرحنا هنا توجهنا لوزارة الشؤون الاجتماعية حيث تمثل جهة اختصاص في العلاج الاجتماعي وسألناها عن الإجراءات المتبعة في مثل هذا الموضوع الذي نناقشه وعن مدى وفاء هذه الإجراءات بالعلاج، إلا أنه لم يردنا منها أي إجابة، وقمنا بدورنا بالتوجه للدكتور علي بن عبدالرحمن الرومي أستاذ علم الاجتماع المساعد الذي دعا إلى اتخاذ إجراءات وخطوات للفتاة التي خضعت للابتزاز، موضحاً أن وسائل وطرق وعلاج الفتاة التي خضعت لعملية ابتزاز تختلف من حالة لأخرى حسب خصائص كل من الفتاة والمبتز ونوع الابتزاز والبيئة الاجتماعية والقانونية التي ينتمي إليها كل من الطرفين. وقال: ولهذا لابد من التأكيد على ضرورة التعامل مع كل حالة على حدة وتجنب الصيغ العامة في التعامل مع حالات الابتزاز.
العلاج
وأشار الدكتور الرومي إلى ضرورة التأكيد أولاً على ضرورة وجود جهة يمكن للفتاة أن تتصل بها بسرية تامة وذات صلاحية وقدرة على التعامل مع مثل هذه الحالات، ثم لابد من التوعية بدورها في المجتمع لأن ذلك جزء من العلاج، حيث تبادر الضحية بالاتصال ولا تظل فترة حائرة بالجهة المختصة، ثم إن من تسول له نفسه الابتزاز بعلم بوجود جهة تنصر المبتز وتلحق أشد العقاب بالمبتز. وهذا يجرنا إلى ضرورة وجود أحكام عقابية مسبقة ومعلومة لمثل هذه الحالات وبما يردع من الابتزاز.
أما بخصوص علاج من تعرضت للابتزاز فيشير الدكتور الرومي إلى ضرورة توجيه الفتاة كخطوة أولى ومهمة إلى إلغاء وبشكل سريع ومفاجئ كل وسائل التواصل مع المبتز ومن دون مقدمات بحيث يصاب بالحيرة والتردد ويبقى غير قادر على التصرف أملاً في أن يستعيد سيطرته على الموقف.
وقال: لأن المبتز لا يريد تنفيذ ما هدد به وإنما يريد تحقيق هدفه من التهديد. وفي الغالب لا ينفذ شيئاً من التهديد إلا عند وجود تواصل مع الضحية أو إذا علم أن الضحية تحاول اختبار جديته في تنفيذ ما هدد به. ولا ينفذ في مثل هذه الحالة إلا بقدر ما يعينه على تحقيق أهدافه ولا يؤدي إلى فقدانه السيطرة على الموقف، وهو ما يحدث عندما تنفضح الضحية. وكل ذلك لا يتحقق إذا تم قطع الاتصال بشكل مفاجئ.
وأضاف الرومي: وما سبق يعتمد بشكل كبير على إقناع الضحية بالإجراءات المقترح اتخاذها، وهنا لابد من التأكيد على أهمية التحدث مع الضحية بثقة وإشعارها بقدرة الجهة أو المستشار على القيام بالإجراءات التي يلتزم بها. أما الحديث مع الضحية بضعف وأن الموضوع لا يتجاوز الاستشارة فيكرس الفكرة التي يقوم عليها الابتزاز وهي أن الفتاة لا حول لها ولا قوة وأن الحل في الاستسلام للمبتز. كما يلزم إعطاءها الثقة في نفسها وقدرتها على اتخاذ الإجراءات التي ينبغي أن تقوم بها، على سبيل المثال عندما تقول لا أستطيع في أمر تستطيعه، يرد عليها نعم تستطعين ولكنك بحاجة إلى أن تستعيدي السيطرة على مشاعرك وتفكيرك.
وأشار الدكتور الرومي إلى أنه ومما يفيد في علاج من ضحية الابتزاز فهم الجوانب التي تخشاها ومحاولة مراعاتها في الحلول المقترحة وتوضيح ذلك لها بشكل يشعرها باهتمام وحذر من أن تتلقى منه التوجيه، إضافة إلى ذلك لابد من العمل مع الضحية على توقع ما يمكن أن يحدث وجعلها خيارات محتملة مع عرض إيجابياتها وسلبياتها، وبما يؤدي في النهاية إلى الوصول إلى الحل المناسب. ومنها خيار الاستجابة للمبتز، حيث يتم التأكيد على أن المبتز لن يقف عند حد، وإنما سوف يستمر، وفي النهاية سوف يقع ما كانت تخشاه في خيار عدم الاستجابة للمبتز.
هذا ولتحقيقنا بقية.
*إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر