كلنا نعلم تلك المقولة التي تردد (الوقاية خير من العلاج)، وهذه الوقاية عامة من الأمراض البدنية والأمراض القلبية،
والوقاية من كل مكروه وسوء، لأن الوقاية هي حفظ النفس مما يؤذيها وإبعادها عما يضرها. والوقاية خير من العلاج لأن الحيلولة دون وقوع الداء توفر الجهود والمتاعب، ولأن سد الباب أمام الكحة أسهل من معالجتها.
ولقد جاءت هذه الشريعة الغراء على أصل أصيل ومنهج فريد بحماية الإنسان ووقايته من الشرور والأخطاء وبالأخص ما يكون سبباً في نقص دينه. وأن المتأمل في النصوص الشرعية يجدها تؤكد هذا المعنى وتحث عليه.
تأمر بالأخذ بالأسباب السلامة من الشرور وتجنبها وسد الذرائع الموصلة إلى كل شر. وهذا الأمر يدعو المسلم إلى أن يكون دائماً يأخذ بأسباب الوقاية والحماية، حتى يسلم من الشرور والوقوع فيها.
ألا ترى أنه يأخذ بأسباب الوقاية من الأمراض البدنية ويخشى من العدوى، فإن الأمراض القلبية أعظم.. فلماذا لا تسعى بالاحتراز من كل ما فيه سبيل إليها.
لقد جاءت الشريعة بالحجاب لأنه وسيلة إلى العفاف والتخلص من التبرج والسفور، حرم اختلاط الرجل بالمرأة لأنه وسيلة إلى وقوع الفاحشة. وحرم الدخول على النساء (إياكم والدخول على النساء). وحرم كل معاملة فيه غرر وخداع حفاظاً على أموال الناس وممتلكاتهم.
والخلوة بالمرأة (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، وعن خضوع المرأة بقولها: (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)، وعن سفر المرأة بدون محرم لأن كل ذلك وسيلة إلى وقوع الفواحش)، وحرَّم النظر إلى النساء والصور وغيرها: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)، (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنََّ)، كل ذلك حماية عن الوقوع في الفواحش.
ومن هنا نعلم منهج الإسلام الفريد في الوقاية من الوقوع في الشرور والمحافظة على الدين والعرض، فلا بد إذاً من الأخذ بأسباب الحيطة والحذر والوقاية والحماية، وهذه الأسباب والتدابير تقلل من الوقوع في الشر.
فالتربية الصحيحة المبنية على المنهج النبوي تخرج جيلاً فريداً قد حمي من وسائل الشر.
وإن الغفلة والتغافل والتشاغل عن واجب الرعاية والإهمال بالوقاية يولد جيلاً لا أساس له من الخلق والدين.
وإننا لا ننظر إلى وقوع الشر ثم نعالجه، بل لا بد من وضع السدود المنيعة أمام الشرور، ونوجد المناعة لدينا ولأهلينا حتى لا نقع في تلك المستنقعات.
فإذا كان الإسلام نهى عن صحبة الأشرار والجلوس معهم لأنهم من أسباب ضعف المناعة من الشر وعدم الوقاية منه فكيف بمن يرضى أن يكون جلساؤه هو وأسرته ما يعرض من الشرور في تلك الفضائيات.
وإننا حين نأخذ بمنهج الوقاية من الشرور فأخذ بالأسلوب السهل في التربية، لأن العلاج أصعب وقد يفيد وقد لا يفيد.
ولقد جاء الإسلام بالوقاية وجاء بالعلاج، فشرعت الحدود وشرع القصاص، حفاظاً على الأرواح، وحفاظاً على العقل وحفاظاً على العرض، وهي حياة للناس وفيها استقامة أحوالهم ومعايشهم.
فلننظر إلى أنفسنا هل نحن من يأخذ بمنهج الوقاية والسلامة، أم نحن من الغافلين. لا ندع للشيطان طريقاً لأنفسنا ولا لأولادنا، لا نعين الشيطان عليهم، بإهمالنا وقلة مبالاتنا.
ولنأخذ بأسباب الوقاية الحقيقة، فكما نقيهم حر الصيف وبرد الشتاء لنقيهم من عذاب الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً).
وأسلوب الوقاية والحذر والحماية ليس هو أسلوب الشك والتشكيك والقدح في الآخرين، ولكنه أسلوب حماية وحسن ظن، فالله شرع ذلك وهو الذي أمر بحسن الظن، فإن بعض الناس يخلط بين الأمرين فيعيش دائماً مرتاباً من كل شيء.
فهذا ليس أسلوباً بل إعطاء الثقة مع الحماية والمتابعة يولد تربية صحيحة.
وإن من أساليب الوقاية والحماية تطهير المنازل والبيوت من كل ما يخالف تعاليم الإسلام، والسعي لإيجاد البديل الصالح النافع.
وإن من أساليب الوقاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، وتعليم الآخرين والأخذ على يد السفيه وأطره على الحق أطراً وقصره عن الشر قصراً.
ومن أساليب الوقاية إيجاد الجو الإسلامي الذي يدعو إلى الخير ولا يذكر بالشر في المنزل وفي المدرسة وفي المجتمع، فهي بحق محاضن للأجيال تستحق التقدير والدعم والإشادة بمجهود القائمين عليها.
ونحن اليوم في عصر الافتتاح على العالم بأسره وصار العالم كقرية واحدة، فالأمر يحتاج منا جدية في وقاية مجتمعنا من التأثر، وأن أسلوب التأثير على الآخرين هو الذي ينبغي أن يكون، فالمربون والمعلمون ورجال العلم والعلماء وطلبة العلم والدعاة المخلصون والأولياء يجب أن يتواصلوا لإنقاذ الأجيال المسلمة، ولحفظ تميزها وبقاء شخصيتها.
*الرياض
twoian@hotmail.com