من الصعب أن نخطط المجال الحضري في المدن بنفس مخطط وثقافة بيت شعبي في القرية، فمدننا الحديثة التي شهقت بالمباني الأسمنتية والطرق السريعة والبنية التحتية المدعمة بالخدمات، نجد من ناحية أخرى أنها لم تكن ودودة مع التواجد الإنساني، أو المساحات التي من الممكن أن تمارس فيها العائلة أنشطتها الترفيهية أو الثقافية، فتمتد من حولنا الشوارع والمباني مبيتة القانون العمراني القديم، حيث (مقلط الرجال ومقلط الحريم)، هذا السيف السري الباتر الذي يخلق عالمين منفصلين، وبينهما تنمو غابات الخوف والاسترابة والحذر والشكوك، والترصد بالنساء والبلوتوث والتهديد بنشر الصور، وتفتيش النساء على مداخل الحفلات رعبا من جوال أبو كاميرا وباقي تفاصيل الشك والريبة التي تعرفونها.
لكن داخل هذا النفق الدامس نجد الآن بعض الانفراجات الواعدة،
مهرجان الجنادرية منذ تأسيسه كان مكتسحا من الرجال في معظم أيامه، وكان يترك في نهايته بفتات ثلاثة أيام نسوية مختلسة، والمفارقة كانت عندما كنا نجد أن الكثير من النساء الزائرات قادمات من خارج الرياض مع عوائلهن، (على اعتبار ممنوع السفر إلا بمحرم), لكن هذا المحرم كان عليه أن ينتظر خارج أسوار الجنادرية إلى أن تنهي الزائرة جولتها على القرية التي بدورها تغص بالرجال من مقدمي العروض الشعبية والبائعين إضافة إلى رجال الحسبة!
ولكن هذا العام لن يكون أحد مسؤولا عن فضيلة الآخر أو وصيا عليها، بل العائلة تدخل وتتجول بشكل حضاري إنساني كشعوب العالم، فالشعب السعودي ليس قبيلة من (إنسان الغاب) المنحدر من الكهوف والمنشغل بغرائزه.
معرض الكتاب الذي أصبحت الرياض تشرع له بوابتها كل ربيع سيكون أيضا للعائلة التي سيمارس أفرادها بين ممراته وأرففه نشاطا ثقافيا مشتركا تحت سقف واحد، سيتمكن الجميع من تعاطي الشأن الثقافي بطمأنينة رفقة أب أو زوج أو ابن. ستستطيع العائلة أن تحقق شرطها الإنساني ثقافيا وترفيهيا دون الحاجة لركوب الطائرة أو الوقوف على بوابات جسر البحرين.
أيضا في نفس المسار بعد أن جعلت حديقة الحيوان بالرياض أياما للعائلات تضاعف عدد زوارها، وهذا بحسب ما نشرته أحد الصحف المحلية.
ومن جميع ما سبق وسواه سنستعيد العائلة كبنية اجتماعية يتكامل من خلالها مجتمع صحي طبيعي، وليس محتقنا بهواجس الخطيئة والريبة، التأسيس لفضاء عائلي متحضر بالتأكيد سيقودنا إلى المزيد من احترام النساء في الفضاء العام، على اعتبارهن أمهات أو أخوات ولسن قوارير معبأة بسائل شديد الاحتراق.
الرياض مدينة الغد والمستقبل....تؤسس لفضاء يحتفي بالعائلة.