بقدميها الغضتين أخذت تتسلق جذع الشجرة الوارفة، تحتويها أغصانها, كلما أوشكت أن تهوي سندَها فرعٌ مكسو بالورق الأخضر فتتوقف، كأنها تنتعش برحيق الثمار اليافعة، وتعود تصعد، تلمها الفروع كيد الأم في حنو, لكيلا تسقط، وكلما ارتفعت عاودت النظر للأسفل حيث بساط من زهور ملونة اختفت بينها فردتا حذائها، ما لبثت أن استجابت لنداء أمها: ما الذي تفعلين صغيرتي؟.. قفي، أنت في علو شاهق كيف ستنزلين؟.. طمأنت أمها وهي تعيد عباراتها إليها: أنت أماه من قلت لي أن تكون تطلعاتي دائماً عالية.. ولن أسقط..، أنت أماه من دلني على أعشاش العصافير،.. أمها جلست منبسطة تحت الشجرة لعل ابنتها إن سقطت يلمها حجرها المتأهب ويداها الممتدتان.., أجل صغيرتي قلت لك ذلك، لكنني أيضاً أريتك كيف يحضر العصفور من هناك ليرتوي من الماء هنا، ففوق الأرض أيضاً حياة.., والصغيرة تجيب: لكنني لم أشاهد عش العصفور ولا عش الغراب بعد،, فقليلٌ من الصعود وأبلغهما،
لن أسقط أماه فقد عرفت كيف أتمسك بالشجرة، فالشجرة تماماً هي الآن أنتِ..، لها غصون كما هما ساعداك,, وكفاك،.. لكن أمها وجلة، تترقب بخوف أين ستؤول قدما صغيرتها، فالشجرة كثيفة وعالية، وهي لم تعد ترى جسدها الغض بين الفروع والأوراق والغصون، اختفى قليلاً قليلاً صوتها...ساعتان مرتا بها، وقد استنقذت أمها بأفراد العائلة.. وهم يهمون بالتسلق كانت الصغيرة عائدة تدريجياً نحو الأرض..., تقول: عش الغراب الوحيد الذي يعيش فوق شجرتنا يا أمي لا يستوعب هذا الهلع الذي يجوب في صدرك كلما طار وعاد، أما العصفور فعشه كما خلية النحل لكنه مرتب في الداخل فوضوي في خارجه، العصفور الصغير لا يأمن وهو في أقصى الشجرة كما أنت لا تأمنين في بسطة الأرض وداخل بابين مغلقين، أما الغراب فعشه مشرع.. سألت الأم صغيرتها: ما الذي تعنيه؟ قالت: تعلمت أن الصعود للأعلى لا يقل مخاوف عن البقاء في الأدنى، وأن الأمان فوق الأرض ليس مثالياً، كما أنه ليس كذلك في الأعلى، وأن كل أعلى هو أدنى لما هو أعلى منه، وكل أدنى هو أعلى لما هو أدنى منه،.. وتعلمت أكثر أن الإنسان ذو العقل، لا يختلف عن الطائر ذي الغريزة، هناك
يا أماه قاسم مشترك بيننا.. الشجرة يا أمي طريق طويل قصير لفصول مدرسة.. عدت منها وقدماي تقويان على الوقوف حافيتين، لأبدأ معهما السير من بدء الخطو...
نهضت أمها تنفض عن ثيابها ما علق من خشاش الشجر... بينما تُدرك بفرحٍ أن قلب صغيرتها قد استوعب دروسها..