هيئة السوق المالية في أواخر العام الماضي اتفاقية تبادل المنافع مدشنة بذلك أولى خطوات فتح باب الاستثمار في السوق المالية أمام الأجانب من غير المقيمين بالمملكة وكانت الهيئة تنظر من خلال هذه الاتفاقية إلى دخول سيولة للاستثمار كإجراء احترازي بدلا من سيولة ساخنة تربك التعاملات أكثر مما هي عليه بفعل الأموال المضاربية المحلية حتى لا يصب الزيت على النار المتأججة بالسوق أصلاً وفي عالم يعيش أزمة اقتصادية خانقة فإن التحرك الذي تقوم به الصناديق العالمية والمؤسسات المالية العالمية أصبح مكشوفاً، فهناك صراع حقيقي للاستحواذ على المال الذي أصبح عزيراً جداً هذه الأيام فكان تصرف الهيئة حكيماً بكل معنى الكلمة لأننا بحاجة لأموال تسهم باستقرار السوق وتساعد على فتح باب المنافسة على الاستثمار بالأصول التي أصبحت مغرية لمن يبحث عن الملاذات الآمنة وتحريك للمنافسة الداخلية على الفرص الموجودة لدى المستثمرين المحليين أمام المال الأجنبي القادم، والنتائج المتوقعة من هذه الاتفاقية معروف أنها لن تظهر في فترة قصيرة بل هي تدخل تحت التخطيط الإستراتيجي البعيد وبعد هذه الأشهر القليلة لإقرار الاتفاقية ظهرت بيانات متناقضة حول فاعليتها من المؤسسات المالية العاملة بالسوق السعودية فقد رأت جدوى للاستثمار أن الاتفاقية فشلت في جذب الاستثمارات الأجنبية للسوق وقدرت حجمها بنسبة 0.2 بالمائة من حجم التداولات وفق البيانات الأخيرة لتداول وعللت ذلك بأنه تقليل لنسبة المخاطر من قبل المستثمرين العالميين من تقلبات الأسواق، وقد يعتبر هذا الحكم على الاتفاقية متعجلاً جداً فلم تستقر أوضاع الأسواق العالمية، ولم تنته الصناديق والمؤسسات العالمية من تقييم أوضاعها وتحديد استراتيجياتها المستقبلية بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها جراء انتكاسة البورصات العالمية وإفلاس العديد من البنوك الاستثمارية العملاقة كليمان براذر وصناديق التحوط التي تكبدت خسائر فادحة، كما أن تقييم الأزمة الراهنة والتوقعات بانتهائها ومدى التأثير على العالم واقتصاديات الدول وأيهم ستكون الخاسر الأكبر أو المستفيد الأكبر وأين تكمن بواطن القوى والضعف عالمياً لم تتحدد بشكل دقيق، فلذلك الحكم بفشلها يصبح متسرعاً خصوصاً أنها لم تقر ليعول عليها انتفاضة السوق السعودي فهي مجرد استكمال لخطوات تطويرية تنتهجها هيئة السوق منذ فترة طويلة وكذلك استكمال لخطوات انفتاح اقتصاد المملكة على العالم مع انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية وبعد أقل من أسبوع أعلنت مؤسسة HSBC المالية العالمية عن تنفيذها لاتفاقيات تبادل منافع بقيمة وصلت إلى أربعة مليارات ريال لحوالي مائة مؤسسة أجنبية وهذا يعني أن هناك قيمة مضافة وجدتها تلك المؤسسات بالاستثمار بالسوق السعودي وأن هذه الاتفاقية كانت نافذة مهمة وعملية استفاد منها المستثمرون الأجانب وبينت أن هذه الصفقات تتم في ظل ظروف اقتصادية صعبة جداً، وكانت شركة وطن للاستثمار قد أعلنت قبل ذلك تنفيذ صفقات تحت بند الاتفاقية بأكثر من 100 مليون ريال سعودي، وإذا ما نجحت المؤسسات المالية المرخصة بالسوق السعودي التي تعد بالعشرات بتنفيذ اتفاقيات بحسب علاقاتها الدولية وقدرتها التسويقية، فهذا يعني جذب عشرات المليارات للاستثمار بالسوق السعودي مما يعني توسيع قاعدة الانفتاح العالمي بشكل كبير ومنظم لا يخلق مشكلة بقدر ما يسهم بحلول لاستقرار السوق أن كلمة فشل التي أطلقتها جدوى على اتفاقية تبادل المنافع تعتبر مجحفة فقد تفهم بأنها معقدة ومنفرة للاستثمار بسوقنا وتحلل أيضاً على عدم وجود قيمة حقيقية مضافة للاستثمار بشركاتنا المدرجة بالسوق بالوقت الذي نجحت مؤسسات أخرى بجذب استثمارات عبر هذه الاتفاقية ما يعني بطلان أي تقديرات بأن شروط الاتفاقية معقدة أو بالقيمة الاستثمارية في السوق فهل كانت المؤسسات التي نفذت تلك الصفقات أكثر قرباً وشراكة ومعرفة بمتطلبات المستثمر الأجنبي وناجحة تسويقياً من خلال مهنية عالية أما أنها مجرد استثناء والأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.
محمد سليمان العنقري