الرياض - محمد العمرو:
من السهل الجزم بأن القوائم المالية المدققة محاسبياً من أهم عوامل الدراسة الائتمانية، بل هي العمود الذي ترتكز عليه جميع التحليلات المالية والمؤشرات الائتمانية، ومن هنا كان للقوائم المالية بالغ الأثر في التنبؤ بأحوال الشركة المستقبلية، أهي قادرة على المضي قدماً والازدهار أم أنها تعاني من مشكلات مالية، كما تعتمد مصلحة الزكاة والدّخل وقسم الإعانات الحكومية التابع لوزراة المالية والبنك الزراعي وصندوق التنمية الصناعي والبنوك التجارية على مصداقية القوائم المالية عن طريق شركات التدقيق المحاسبية، والتي تضمن لقارئ القوائم أن الأرقام المبينة فيها غير قابلة للشك في مصداقيتها، وبأنها لا تعاني من التلاعب وفن إخفاء الحقائق المرة وبأنها جاهزة للتحليل الائتماني عن إمكانية الشركات والمدققين المحاسبيين التلاعب بالقوائم المالية.
وأوضح المستشار المالي الأستاذ رأفت محمد قاروب الذي كان له رأي تفصيلي حيث قال: في البداية يجب أن نعلم أن هناك طرفين في صياغة القوائم المالية لكل طرف مهمة، الطرف الأول مدقق الحسابات والطرف الآخر إدارة المنشأة، لابد من معرفة مهام كل طرف فمهمة مدقق الحسابات هو الوصول إلى درجة قناعة معقولة تمكنه من إبداء الرأي في القوائم المالية في حالة أن القوائم المالية تظهر بعدل المركز المالي للمنشأة كما هو عليه في نهاية الفترة المحاسبية ونتائج أعمالها وتدفقاتها النقدية خلال تلك الفترة. أما مهمة إدارة المنشأة هي إعداد القوائم المالية، كما أوضح الأستاذ رأفت أن القوائم المالية التي تعدها إدارة المنشأة على نوعين: قوائم مالية تظهر بعدل المركز المالي للمنشأة كما هو عليه في نهاية الفترة المحاسبية ونتائج أعمالها وتدفقاتها النقدية خلال تلك الفترة، وغالباً ما تعد لتزويد كل من صاحب المنشأة (مؤسسة فردية) أو الملاك في شركات الأموال أو الأشخاص و البنوك للحصول على تمويل استثماري، وتتصف هذه القوائم المالية بالصحة وتتخذ إدارة المنشأة الدقة العالية في إعدادها وتطلب من مدقق الحسابات بذل أقصى العناية المهنية في تطبيق إجراءات المراجعة، وعلى النقيض فالنوع الآخر من القوائم المالية تكون مزيفة لتظهر غرض المنشأة من تلك القوائم، وتعد لتزويد الجهات الحكومية من وزارات وهيئات وعلى رأسهم مصلحة الزكاة والدخل أو قد تزود المنشأة المستثمرين للحصول على تمويل استثماري في صورة المشاركة، وتتصف هذه القوائم المالية بخلوها من الصحة بحيث تظهر المنشأة المركز المالي ونتائج أعمالها وتدفقاتها النقدية، كما ترغب أن تظهر وتغيب على الطرف الآخر هذه الخدعة. وأردف قائلاً: إنه في حالة التلاعب الكامل فإنه يتم بالتواطؤ بين الطرفين.
وعن الإجراءات المحاسبية الحالية، وهل بإمكانها أن تمنع عمليات الاحتيال والتلاعب؟ قال الأستاذ خالد السيد عضو هيئة التدريس في المعهد المصرفي التابع للبنك المركزي (ساما): إنه إذا تم تطبيق الإجراءات المحاسبية كما ينبغي لها أن تطبق فإنها يمكن أن تمنع التلاعب بالنتائج و بالقوائم المالية، و لكن يجب أن نتذكر أن مهنة المحاسبة مثل العديد من المهن الأخرى مثل القضاء والطب والهندسة تتطلب تدخل العنصر البشري في تطبيقها ومن ثم فالأمانة والضمير الإنساني الصحيح يلعب دوراً جوهرياً فقد يتلاعب المهندس بجودة الخامات مما يؤدي إلى انهيار المبنى وكذلك المحاسب وهذا لا يعني عدم سلامة الإجراءات أو الأنظمة ولكن تبقى الأمانة البشرية.
أما الأستاذ رأفت قاروب فقال: إن الخطأ على نوعين: الخطأ غير المتعمد وهو ليس احتيال أو تلاعب ويتم تصحيحة عند اكتشافه، ولا يؤثر نسبياً على نتائج أعمال المنشأة لأنه سوف يتم تصحيحه بناء على المستندات الثبوتية وتعديل القوائم المالية، والنوع الآخر خطأ متعمد وهو احتيال وتلاعب يقوم به شخص على حدة وهو صعب الاكتشاف ويؤثر نسبياً على نتائج أعمال المنشأة لأنه لا يمكن اكتشافه ولا تصحيحه لعدم وجود المستندات الثبوتية قد يتطور هذا الخطأ المتعمد إلى درجة التواطؤ وهو اشتراك أكثر من شخص بالقيام بالاحتيال والتلاعب وهوصعب الاكتشاف ويؤثر جذرياً على نتائج أعمال المنشأة، كما عزا لنا أسباب عمليات الاحتيال والتلاعب التي تتم في المنشأة إلى ضعف إجراءات الرقابة الداخلية، وعدم وجود إجراءات عمل مكتوبة وواضحة للموظفين، وصغر الهيكل التنظيمي وتولى الموظف أكثر من مهمة بحيث يكون على سبيل المثال هو معتمد الاستلام والمسجل لذلك الاستلام والمودع.
وعن كيفية الاحتياط من هذا الداء الهدام، قال الأستاذ رأفت: إن بناء نظام رقابة داخلية جيد قد يساعد على منع أو تقليل حدة عمليات الاحتيال والتلاعب ولكن لا تمنع التواطؤ بين أطراف معينة داخل المنشأة من الاحتيال والتلاعب، وأن يتمتع نظام الرقابة الداخلية بحدود وصلاحيات لكل موظف في الهيكل التنظيمي للمنشأة، بحيث يتم بناء كل من الإجراءات المحاسبية المالية، المصاريف والمشتريات الإدارية، التسويقية والبيعية بشرط عدم تجاوز تلك الحدود وتقاطع تلك الصلاحيات بما يضعفها و ينشئ ثغرات تساعد على إحداث عمليات الاحتيال والتلاعب، كما قال إن الفصل التام بين مهام العملية المالية من التعميد (المشتريات والمخازن) والتسجيل (الموردين والحسابات) والحيازة (المستلم صاحب العملية المالية) سيحد ولاشك بشكل كبير من الاحتيال.
وعند سؤالنا للأستاذ خالد السيد أنه بعد تسبب الأزمة الأقتصادية العالمية بانهيار بنك (ليمنز براذرز) وبنك (ماري لنج)، تعاود إلى أذهاننا انهيار عملاق الطاقة (إنرون) في بداية الألفية الحالية وذلك إثر تواطؤ شركة ارثر اندرسون العالمية للتدقيق المحاسبي وإظهار قوائم تخفي الحقيقة المرة لوضع الشركة المالي وللتدفق النقدي السالب، أليس من المفترض أن تقدم البيانات المحاسبية علامات ودلائل على قدرة الشركات على الاستمرارية، قال الأستاذ خالد: لا يمكن الربط بين إفلاس البنوك والشركات المالية التي حدثت نتيجة الأزمة الاقتصادية وإفلاس شركة إنرون، إذ إن أسباب الأزمة الاقتصادية لا تمت بصلة إلى التلاعب المحاسبي ولكن السبب الحقيقي وراءها هو مخاطر الائتمان وتحديداً الائتمان العقاري، وهناك قاعدة أساسية في الاستثمار هي أن العائد يرتبط ارتباطاً طردياً مع المخاطر ومن ثم الطمع والرغبة في تحقيق عوائد مرتفعة على الاستثمار كانت تحمل في طياتها احتمالات مخاطر عالية وقد تحققت هذه الاحتمالات وانطلقت الشرارة الأولى للأزمة الاقتصادية. وهنا يجب أن نوضح أن هناك أنواعاً عديدة من المخاطر بعضها قد يأتي بسبب عدم جودة المعلومات المحاسبية وتأثيرها السلبي على اتخاذ القرارات، والبعض الأخر مثل مخاطر الأعمال أو النشاط فهو يرتبط بطبيعة كل صناعة ولا يمكن تجنبه حتى مع أجود المعلومات المحاسبية، ويلعب موقف المستثمر ورغبته في تحمل المخاطر الدور المحوري عند اتخاذ قرار الاستثمار في المواءمة بين العائد والمخاطر. وينحصر دور القوائم المالية في تقديم المعلومات الصحيحة التي تمكن المحلل المالي من الحكم على قدرة الشركة على الاستمرارية.
وعن إمكانية الشركات والمدققين المحاسبيين استغلال الأزمة المالية الحالية في إخفاء الحقائق المالية والتلاعب ببياناتها، قال السيد: إن الأزمة الاقتصادية لا تمثل فرصة للتلاعب وإخفاء الحقائق ولكن الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية على نتائج بعض الشركات قد تدفع البعض لاستخدام الأساليب سالفة الذكر لتحسين نتائجها لعام 2009 على أمل تحسن الأوضاع في السنة القادمة وامتصاص ما تم تأجيله من مصروفات وخسائر، على الرغم أن البعض قد يسير في الاتجاه العكسي حيث يمكن استغلال هذه السنة للتخلص من بعض الخسائر المرحلة من قبل واستغلال الأزمة الاقتصادية في تبرير هذه النتائج. وتبقى الأمانة والضمير الإنساني المراقب الأول والأخير.
كما أوضح عند سؤالنا له عن إمكانية الشركات المحاسبية القانونية تقييم المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها عمليات الشركة مالياً، وهل يتوقع أن تتم إضافة حزمة جديدة في النظام المحاسبي قائلاً: إنه يجب أن يكون معلوم لدينا أن الدور الذي تقوم به شركات المحاسبة القانونية أو ما يسمى بالمراجع الخارجي ينحصر في إبداء رأيه حول سلامة القوائم المالية ومدى إظهارها بعدل الموقف المالي ونتائج الأعمال للشركة وكذلك مدى توافقها مع المبادئ المحاسبية المتعارف عليها، ولا يندرج تحت هذا الدور تقييم المخاطر للشركة حيث يتطلب ذلك العديد من الإجراءات والعلوم بالإضافة إلى علم المحاسبة. وسوف تكون الأزمة الاقتصادية محركاً قوياً وفرصة ذهبية للنهوض لنظم الرقابة الداخلية وعلى رأس ذلك ما يعرف بحوكمة الشركات والتي سوف يكون لها أثر مباشر على التشريعات المصدرة من الجهات الرقابية للدول، وبما أن علم المحاسبة من العلوم المرتبطة بالمجتمع وتتأثر بالتغيرات الاقتصادية والمالية والتشريعات التي تصدر من الجهات الرقابية مثل هيئة سوق المال والبنوك المركزية (مؤسسة النقد)، فمن المتوقع العديد من التغيرات وبخاصة ما يخص قواعد الإفصاح الخاصة بالقوائم المالية.
وعن توقعه ظهور (ارثر اندرسون) آخر بعد إعلان أغلب الشركات عن نتائجها المالية للعام المنصرم، قال الأستاذ خالد السيد: طالما أن العنصر البشري موجود فدائماً وأبداً هناك احتمال لظهور بعض الممارسات الخاطئة وقد يزيد من هذا الاحتمال اشتداد الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية على نتائج الأعمال للشركات.