Al Jazirah NewsPaper Saturday  28/02/2009 G Issue 13302
السبت 03 ربيع الأول 1430   العدد  13302
مزيداً من الأسئلة لوزارة التربية
د. فوزية البكر

 

أود هنا أن اطرح المزيد من أسئلة الشفافية لوزارة التربية والتعليم مع ما طرح الأسبوع الماضي مع التأكيد للقائمين في الوزارة على أن ما نقوم به ككتاب من مراجعة ومحاورة للوزارة ليس القصد منها التشفي من قصور أحد أو العزف على مقطوعات تصنيفية فعملية التربية والتعليم ومؤسساتها لا تحتمل مثل هذه التدخلات وهي ان حدثت تقتل معنى التعليم وتشل قدرتنا على رؤية أين يتجه

وهو ما نحتاج إلى أن نسأل أنفسنا حوله اليوم. إنني هنا أنقل تساؤلات أتصور أنها تمثل أجندة الكثير من المستفيدين من التعليم وذوي الصلة المباشرة أو من نسميهم نحن الدارسون للتربية (المستفيدين المباشرين) (Stakeholders).

أود أن أعرج هنا على المناطق المحرمة من مفاصل هذا التعليم: تعليم البنات.. ماذا حدث من تغييرات جوهرية منذ انتقلت إدارة هذا القطاع الضخم من أيدي الرئاسة العامة لتعليم البنات عام 2004 وضم تحت جناح الوزارة؟؟؟ ماذا يحدث في الإدارات الرجالية التابعة لهذا القطاع والتي ترأس وتدير فعلاً الإدارات النسائية داخل الوزارة وتسيرها حسب ما تراه وعلى الرغم من معرفتي التامة بالقدرات المتميزة لنائبة الوزير الأستاذة نورة الفايز التي أدارت قطاعات بأكملها وتعاملت مع مختلف النماذج والأشكال الإدارية وأنماط الشخصية لمن عملت معهم إلا أنني لا أستطيع أن أرى (تطبيقياً) كيف ستتمكن من مقاومة ثقافة إدارية ذكورية عشعشت لسنين طويلة داخل أروقة الرجال سواء في المقر الرئيس للوزارة في الرياض أو في المناطق في مختلف أرجاء المملكة. ولم تقصر الإدارات النسائية التابعة للوزارة في دعم توجهات الإدارات الرجالية التقليدية والمتسلطة والترحيب بها والتبني لأنماط العمل التي تفرزها على الرغم من أنها جردتهن من حقهن في صنع القرار حتى لو امتلكنه كمديرات للمراكز أو المدارس ولكن فقط من أجل إرضاء رؤسائهن ممن لم يتعودوا العمل في ظل امرأة مستقلة قادرة على اتخاذ القرار دون القلق من غضب الآخر أو إثارة زوبعته وزوبعة التيار الذي يدعمه وهو جيش جرار من الرجال والنساء والإدارات الرئيسة والتابعة تحتاج إدارتها وأنسنتها إلى خطط حربية فعلاً!!

ولنأخذ مثلاً مصغراً وساخراً على الصراع القيمي داخل المؤسسات التعليمية من خلال وضعية حراس مدارس البنات من الذكور وما يحدث من تجاوزات (ذكورية) هائلة لهم أمام بوابات الكثير من المدارس (لحمايتها) ويصل في بعضه لتحدي سلطات المديرة (التي هي امرأة في النهاية) (واستمع لصراعات التطويع ما بين المديرات والحراس) والذي يمثل الصراع الذكوري لمجتمع تعود أن يعكس رؤيته المحدودة للمرأة في كيفية الإدارة المرافقة التي تستهلك النساء خدماتها بجعل الرجل في معظم الأحيان متخذاً للقرار حتى لو لم يتمكن من الدخول للمدارس والمراكز النسائية ومعرفة ما يحدث فعلاً لكنها الهيمنة الذكورية في مجتمع مغرق في ذكوريته. إن هذا فقط يذكرنا بحجم الدعم الذي تحتاج إليه القيادات النسائية من الوزير مباشرة حتى تتمكن من تحقيق رسالتها.

لا أعتقد أننا بحاجة إلى السؤال هنا عن المناهج والبرامج الدراسية التي افترض سلفاً أنها ستكون لكلا الجنسين من حيث التطوير والتغيير لكن الاختلافات شاسعة في قضايا أخرى تابعة لا يمكن تحقيق الأهداف التعليمية من غير تحسينها، فالإمكانات المادية المتاحة لمدارس البنات تقصر كثيراً عن البنين سواء ما تعلق بالمباني والتي هي للبنات أشبه بعلب كرتونية مرصوصة بالمساحات الصغيرة التي يسمونها فصولاً لاستغلالها بأكثر ما يمكن لرص أكبر عدد ممكن من الطالبات في حين غابت المساحات الخضراء والملاعب الرياضية والمعامل وغرف الفنون التشكيلية والمكتبة والكافتيريا إلخ من المستلزمات التي تعد أساسية اليوم في أي مدرسة تنتمي لهذا العصر.

ويوازي هذا الضعف في الإمكانات المادية محدودية في قدرة المدارس على الحركة الإدارية والمالية دون تلقي أوامر مركزية مباشرة من مراكز التوجيه أو الوزارة بحيث شلت أي قدرات مبرزة للمديرات أو المعلمات في طرح وتنفيذ البرامج التعليمية أو ما يوازيها من أنشطة لا منهجية.

هناك مناخ إداري وثقافي مغرق في محافظته ومحدودية رؤيته يسيطر على المدارس وهو يطرح نفسه من خلال النماذج الإدارية التقليدية المتبعة بحرفيتها التي تعود في خطوطها العامة إلى الرئاسة العامة لتعليم البنات أيام كانت تدير هذه المدارس واستمر النمط دون تغيير حتى اليوم وأهم ملامحه: مركزية شديدة وغرق في التفاصيل الإدارية ينسي العاملات الصورة الكلية ومتابعة حثيثة لكل شاردة وواردة قد يعتقد أنها لا تتوافق مع صورة المؤسسة الدينية التي شكلت الهياكل الإدارية في الرئاسة العامة طوال فترة إدارتها لتعليم البنات. كما تظهر أيضاً من خلال الرفض لكل جديد والتفكير في المدرسة ليس كمؤسسة تعليم وتطوير ونمو بل كمؤسسة لإعادة إنتاج الواقع الاجتماعي المحيط بالمرأة ولذا فإن الكثير من القوانين التي تطبق في هذه المدارس لا علاقة لها بالتربية والتعليم بل بحفظ موقع المرأة ورؤيتها لنفسها ورؤية المجتمع لها كما كان، ستون عاماً مضت وإلا كيف نفسر تعسف القوانين الضابطة لحركة العاملات والطالبات داخل المدارس وكأنهن في سجون حقيقية كيف نفسر ضيق وانعدام الأنشطة الخارجية للبنات مثل الرحلات الخارجية أو المشاريع أو التبادل التعليمي والرياضي مع المدارس الأخرى أو مع مؤسسات المجتمع الأخرى سواء من مسنين أو أصحاب احتياجات خاصة أو مؤسسات مجتمع مدني من جمعيات خيرية وتعاونية، كيف نفسر فكرة إغلاق هذه المدارس بالضبة والمفتاح كل يوم بعد أن يسلم ولي الأمر (بنته أو أخته أو زوجته) للمدرسة ثم يأتي لاستلامها بعد الظهر وهل نتصور حجم الكوارث البشرية لو قرر الحارس الذهاب إلى البقالة المجاورة وباب المدرسة مقفل وحدث ماس كهربائي أو اشتعال نار إلخ وهو الأمر الذي قد يحدث للكثير من المدارس خصوصاً الصغيرة أو في المناطق الفقيرة والنائية. ماذا عن البرامج المطروحة في مستوى المرحلة الثانوية ولماذا التنوع الهائل في البرامج للبنين مقابل البنات؟ يجب أن نفكر في المرحلة الثانوية كمرحلة قد تكون للكثير من الدارسات اللاتي لن تتمكن مؤسسات التعليم العالي من استيعاب اعدادهن مبكراً لسوق العمل وليس بالضرورة التمكن من الالتحاق بالجامعات ومن هنا سيفرض التنويع نفسه.

ماذا عن المدارس في المناطق خارج المدن الرئيسة؟ اتحدى أياً من كبار موظفي الدولة أو رعاياها الخاصين أن يقبل إدخال أبنائه إحدى المدارس الحكومية في قرية منسية وهو ما يطرح قضية جوهرية وهي العدالة في توزيع مقدرات هذا البلد مادية وبشرية بين كل السكان عن طريق تحسين الخدمات الحكومية المقدمة للجميع بغض النظر عن أين يقطنون وما دخولهم الشهرية؟.

ماذا عن التعليم الأهلي ومتى سيتمكن هذا التعليم من التنفس وجلب بعض التجارب التعليمية المتميزة دون أن تتدخل الوزارة في كل شاردة وواردة لفرض إرادتها المتداعية وإخضاع المدارس لنموذج بالٍ من التعليم أثبت فشله علانية على الملأ وإلا فكيف بربك يرغم طلاب المدارس الخاصة الذين يدرسون اللغة الإنجليزية منذ المرحلة التمهيدية على دراسة مناهج الوزارة باللغة الإنجليزية التي بدأت في الصف السادس في حين هي لا شيء بالنسبة لمستويات الطلبة المتقدمة ومع ذلك ترغم المدارس على اقتطاع حصص أساسية من الجدول الدراسي لتدريس مادة لا يحتاج إليها الطالب، وماذا يعني إذاً وجود مدرسة خاصة إذا كانت ستطبق مناهج الوزارة دون تعديل وما الجديد الذي يُطرح لنا كأهالي؟ ولماذا على الجميع دفع الرشاوي أو حب الرؤوس لأخذ إذن الوزارة (كل سنة) حين يرغب أحدهم في إدخال أبنائه مؤسسات تعليمية غير سعودية؟ ولماذا لا امتلك: كأب أو أم الحق في اختيار التعليم الذي أرى أنه أنسب لأبنائي وفي داخل بلدي كما يحدث في كل أرجاء العالم؟؟

السؤال الذي أراه هنا متكرراً هو: ما سر عشق الوزارة المستميت لتثبيت سلطتها في كل مكان؟؟؟






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد