Al Jazirah NewsPaper Wednesday  25/02/2009 G Issue 13299
الاربعاء 30 صفر 1430   العدد  13299

دفق قلم
نعم للانفتاح بلا حدود
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

 

لا يزال من يسوّغون لبعض مظاهر التجاوز في بعض المجتمعات المسلمة لضوابط الشرع والعُرف يرددون كلمة (الانفتاح على العالم)، ويرون أن كون العالم قد أصبح قرية صغيرة من مسوّغات ما نشاهده من خروج واضح عند بعض المسلمين على قيمٍ ومبادئ رسّخها الإسلام وأمر بها ونهى عن تجاوزها.

حينما قال صاحبي لرجلٍ لقيه في بلدٍ غربي في صورة غير جيّدة: أما ترى أنك تسيء إلى نفسك ووطنك وأمتك بهذا التجاوز الذي لا يليق بمسلم؟ قال له: أنا أعيش عصري، وعصري عصر الانفتاح المطلق، وقد تخلصْتُ من عقد القيم والمبادئ والعادات والتقاليد التي تتحدث عنها منذ زمن، نحن في عصر الانفتاح، فهل تعرف معنى ذلك.

سألني صاحبي عن رأيي في هذا الأمر فقلتُ له:

لماذا سافرت أنتَ إلى ذلك البلد؟

قال سافرت سائحاً ولكنني وضعتُ لي ولأسرتي جدولاً مدروساً كان أثره إيجابياً، وكنتُ في سلوكي ملتزماً هناك بما ألتزم به في الرياض، لم يكن لديَّ مشكلة.

قلت لصاحبي: هذا ما أردت الوصول إليه، فأنت استطعت أن تضبط معنى الانفتاح بكل قناعة وثقة، وذلك لم يستطع أن يفعل ما فعلتَ.

قال لي صاحبي: لا، أنا لا أوافق على كلمة الانفتاح أصلاً؛ فهي كلمة ذات دلالة سلبية في حق الإنسان المسلم، كأنما نصف المسلم الملتزم بالانغلاق مقابل الانفتاح.

قلت لصاحبي: دعنا نستخدم الآن كلمة الانفتاح ولكن بالأسلوب الأمثل الذي نحتاج إليه في عالمنا الإسلامي.

نحن يا صاحبي بحاجة إلى الانفتاح على تعاليم ديننا بلا قيود ولا حدود، بحاجة إلى الانفتاح على تطبيق كثير من تعاليم الشرع تحاول يد الحياة المعاصرة أن تواريها عن حياة المسلمين، بحاجة إلى الانفتاح على الإخلاص في أعمالنا الخاصة والعامة، فلا نفرّط في أوقات عملنا في وظائفنا بالإهمال، والغياب، وسوء التعامل، وتأجيل العمل، وإضاعة حقوق الناس مقابل علاقة، أو رشوة أو غيرها من مظاهر الفساد التي تؤخر ولا تقدّم، وتهدم ولا تبني.

بحاجة إلى الانفتاح بلا حدود على حياة شبابنا لمعرفة مشكلاتهم والعمل على علاجها، ولمنعهم بأساليب مناسبة من المظاهر التي تسيء إلى أنفسهم وأهلهم وبلادهم، من تدخين، ومخدرات، وتفحيط، وسهرات تقطّع أوصال الليالي وأنفاسها، وتتعب نجوم الليل، وتؤذي إشراقة الصباح.

بحاجة إلى الانفتاح على الاستخدام الأمثل في وزاراتنا وجهات الخدمات في بلادنا لكل الوسائل المتاحة المتوافرة استخداماً يليق بحق الأمانة، ويرفع من شأن العطاء المتميز، الذي يستفيد منه الجميع.

بحاجة إلى الانفتاح بلا حدود على جوانب تطوير الخدمات المختلفة تعليمياً وصحياً، ودعوياً، واجتماعياً، واقتصادياً، تحقيقاً لما تقتضيه أمانة العامل، وتنفيذاً لما يدعو إليه وليّ الأمر في كل لقاء ومناسبة.

نحن يا صاحبي بحاجة إلى الانفتاح بلا حدود على كل عمل يرفع من مستوى الأداء الوظيفي، ويحمي القيم والأخلاق، ويحقق الوئام والتآلف ويزيل أسباب التنابذ والتصادم الذي لا يأتي بخير.

نحن بحاجة إلى الانفتاح بلا حدود على ثقافتنا الإسلامية العربية الأصيلة وعلى أدبنا الإسلامي العربي المتميز بنقاء الفكرة، وصفاء الكلمة، وعدم الانسياق الأعمى وراء الثقافات والآداب الأخرى، وحينما نقول الانسياق الأعمى فإننا نستثني هنا الاستفادة الواعية مما عند الآخرين؛ فهي من باب الحكمة التي هي ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها.

نحن بحاجة إلى الانفتاح بلا حدود على أنفسنا من داخلها حتى ننقيها من غبار سوء الظن والحقد والحسد والانكسار، ونرفعها إلى مقامات الصفاء والنقاء والاطمئنان.

نحن بحاجة إلى الانفتاح بلا حدود على عوالم أفراد أسرنا في بيوتنا حباً وحواراً وثقة وتفاهماً؛ لأن هذا الانفتاح سيعيد العلاقات الأسرية إلى موقعها الصحيح.

أرأيت يا صاحبي مدى حاجتنا إلى هذا الانفتاح الكبير الواعي.

أما الانفتاح المطلق على الغرب أو الشرق فهو (الانغلاق) بعينه.

إشارة:

أنا لا أشكو عدوّي إنما

أشتكي من صاحبٍ يخدعني


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد